للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الكتابين، وقد آثرت أن أنقل قطوفاً من ذلك الكتاب حتى تتضح الصورة حول هذا الموضوع الهام:
قال المؤلف في الإيمان الكبير ما نصه: "وأما الاستثناء في الإيمان بقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، فالناس فيه ثلاثة أقوال: منهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين، وهذا أصح الأقوال. فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم، ممن جعل الإيمان شيئًا واحداً يعلمه الإنسان من نفسه، كالتصديق بالرب ونحو ذلك مما في قلبه. . . قالوا: فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه وسموهم الشكاكة.
والذين أوجبوا الاستثناء لهم مأخذان:
أحدهما: أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً وكافراً، باعتبار الموافاة، وما سبق في علم الله أنه يكون عليه، وما قبل ذلك لا عبرة به، قالوا: والإيمان الذي يتعقبه الكفر يموت صاحبه ليس بإيمان، كالصلاة التي يفسدها صاحبها قبل الكمال، وكالصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب، وصاحب هذا هو عند الله كافر لعلمه بما يموت عليه، وكذلك قالوا في الكفر. وهذا المأخذ مأخذ كثير من المتأخرين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما اشتهر عن أهل السنة والحديث من قولهم: أنا مؤمن إن شاء الله، ويريد مع ذلك أن الإيمان لا يتفاضل، ولا يشك الإنسان في الموجود منه، وإنما يشك في المستقبل، قالوا: والله يحب في أزله من كان كافراً إذا علم أنه يموت مؤمناً، فالصحابة ما زالوا محبوبين لله وإن كانوا قد عبدوا الأصنام مدة من الدهر، وإبليس ما زال الله يبغضه وإن كان لم يكفر بعد. . . فهؤلاء يقولون: إذا علم أن الإنسان يموت كافراً، لم يزل مريداً لعقوبته، فذاك الإيمان الذي كان معه باطل لا فائدة فيه، بل وجوده كعدمه فليس هذا بمؤمن أصلاً، وإذا علم أنه يموت مؤمناً لم يزل مريداً لإثابته، وذاك الكفر الذي فعله وجوده كعدمه، فلم يكن هذا كافراً عندهم أصلاً، فهؤلاء يستثنون في الإيمان على هذا المأخذ، وكذلك بعض محققيهم يستثنون في الكفر، مثل أبي منصور الماتريدي، فإن ما ذكروه مطرد فيهما، ولكن جماهير الأئمة على أنه لا يستثنى في الكفر، والاستثناء فيه بدعة لم يعرف عن أحد من السلف، ولكن هو لازم لهم.
والذين فرَّقوا من هؤلاء قالوا: نستثني في الإيمان رغبة إلى الله في أن يثبتنا عليه إلى الموت، والكفر لا يرغب فيه أحد، لكن يقال: إذا كان قولك: مؤمن كقولك: في الجنة، فأنت تقول عن الكافر: هو كافر، ولا تقول: هو في النار، إلا معلقاً بموته على الكفر، فدل على أنه كافر في الحال قطعاً، وإن جاز أن يصير مؤمناً، كذلك لمؤمن، وسواء أخبر عن نفسه أو عن غيره. . . وهذا القول =

<<  <   >  >>