ومأخذ هذا القول طرده طائفة ممن كانوا في الأصل يستثنون في الإيمان اتباعاً للسلف، وكانوا قد أخذوا الاستثناء عن السلف، وكان أهل الشام شديدين على المرجئة. . . . وكانوا يستثنون في الإيمان اتباعاً للسلف، واستثنوا أيضاً في الأعمال الصالحة، كقول الرجل: صليت إن شاء الله ونحو ذلك، بمعنى القبول، لما في ذلك من الآثار عن السلف. ثم صار كثير من هؤلاء بآخرة يستثنون في كل شيء، فيقول: هذا ثوبي إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله، فإذا قيل لأحدهم: هذا شك فيه، قال: نعم لا شك فيه، لكن إذا شاء الله أن يغيره غيره، فيريدون بقولهم: إن شاء الله جواز تغييره في المستقبل، وإن كان في الحال لا شك فيه، كأن الحقيقة عندهم التى لا يستثنى فيها ما لم تتبدل، كما يقوله أولئك في الإيمان: إن الإيمان ما علم الله أنه لا يتبدل حتى يموت صاحبه عليه. لكن هذا القول قاله قوم من أهل العلم والدين باجتهاد ونظر، وهؤلاء الذين يستثنون في كل شيء تلقوا ذلك عن بعض أتباع أشياخهم، وشيخهم الذي ينتسبون إليه يقال له: أبو عمرو بن مرزوق، لم يكن ممن يرى هذا الاستثناء، بل كان في الاستثناء على طريقة من كان قبله، ولكن أحدث ذلك بعض أصحابه بعده، وكان شيخهم منتسباً إلى الإمام أحمد. . . . وهؤلاء كلهم وإن كانوا منتسبين إلى الإمام أحمد، فهم يوافقون ابن كلاب على أصله الذي كان أحمد ينكره على الكلابية. . . . . وهذه الطائفة المتأخرة تنكر أن يقال: قطعاً في شيء من الأشياء، مع غلوهم في الاستثناء، حتى صار هذا اللفظ منكراً عندهم، وإن قطعوا بالمعنى فيجزمون بأن محمدا رسول الله، وأن الله ربهم، ولا يقولون: قطعاً. وأما مذهب سلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه، والثوري وابن عيينة وأكثر علماء الكوفة، ويحيى بن سعيد القطان فيما يرويه عن علماء أهل البصرة، وأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة، فكانوا يستثنون في الإيمان، وهذا متواتر عنهم، لكن ليس في هؤلاء من قال: أنا أستثنى لأجل الموافاة، وإن الإيمان هو اسم لما يوافي به العبد ربه، بل صرح أئمة هؤلاء بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل الواجبات، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى، فإن ذلك مما لا يعلمونه وهو تزكية لأنفسهم بلا علم. . . وأما الموافاة فما علمت أحداً من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثير من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم، كما =