للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يعلل بها نظارهم كأبى الحسن الأشعري وأكثر أصحابه، لكن ليس هذا قول سلف أصحاب الحديث. . .
والمأخذ الثاني في الاستثناء (لمن يوجبونه): أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك المحرمات كلها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين القائمين بفعل جميع ما أمروا به وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه، وشهادة لنفسه بما لا يعلم، ولو كانت هذا الشهادة صحيحة لكان ينبغي له أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال، ولا أحد يشهد لنفسه بالجنة، فشهادته لنفسه بالإيمان كشهادته لنفسه بالجنة إذا مات على هذا الحال، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون، وإن جوزوا ترك الاستثناء بمعنى آخر. . . وقد كان أحمد وغيره من السلف مع هذا يكرهون سؤال الرجل لغيره: أمؤمن أنت؟ ويكرهون الجواب؛ لأن هذه بدعة أحدثها المرجئة ليحتجوا بها لقولهم، فإن الرجل يعلم من نفسه أنه ليس بكافر، بل يجد قلبه مصدقاً بما جاء به الرسول، فيقول: أنا مؤمن، فيثبت أن الإيمان هو التصديق، لأنك تجزم بأنك مؤمن، ولا تجزم بأنك فعلت كل ما أمرت به, فلما علم السلف مقصدهم صاروا يكرهون الجواب، أو يفصلون في الجواب، وهذا لأن لفظ الإيمان فيه إطلاق وتقييد، فكانوا يجيبون بالإيمان المقيد الذي لا يستلزم أنه شاهد فيه لنفسه بالكمال؛ ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقال: أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك، لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق الكامل، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء يقدمه. . . فعلم أن أحمد وغيره من السلف كانوا يجزمون ولا يشكون في وجود ما في القلب من الإيمان في هذه الحال، ويجعلون الاستثناء عائداً إلى الإيمان المطلق المتضمن فعل المأمور، ويحتجون أيضاً بجواز الاستثناء فيما لا يشك فيه، وهذا مأخذ ثان، وإن كنا لا نشك فيما في قلوبنا من الإيمان، فالاستثناء فيما يعلم وجوده قد جاءت به السنة لما فيه من الحكمة" مجموع الفتاوى (٧/ ٤٢٩) وما بعدها. وأعتذر عن الإطالة في النقل ولكن المقصود أن تكتمل الموضوعات الهامة في هذا الكتاب الذي نقوم بتحقيقه من نفس كلام المؤلف ومما تضمنه شقيقه الأكبر (الإيمان الكبير).
وقال ابن أبي العز رحمه الله تعالى في شرحه للعقيدة الطحاوية (٢/ ٤٩٨): "وأما من يجوز الاستثناء وتركه فهم أسعد بالدليل من الفريقين (وهما من يوجبه ومن يحرمه) وخير الأمور أوسطها، فإن أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منع من الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين =

<<  <   >  >>