للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه المأمور به، لا على جهة الشك فيما بقلبه من التصديق، لا يجوز أن يراد بالآية أن الله لا يقبل (١) العمل إلا ممن اتقى (٢) الذنوب كلها، لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقياً، فإن كان قبول العمل مشروطاً يكون الفاعل حين فعله (٣) لا ذنب له، امتنع قبول التوبة، بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل، فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة، وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير، لم يخلص من الذنب، بل هو متقٍ في حال الخلصة (٤) منه.

وأيضاً فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصر على كبيرة، ثم تاب لوجب أن تسقط سيئاته بالتوبة، وتقبل منه تلك الحسنات، وهو حين أتى بها كان فاسقاً.

وأيضاً فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل وغصب وقذف، وكذلك الذمي إذا أسلم قبل إسلامه مع بقاء مظالم العباد عليه (٥)،


= وصفهم الله في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)} وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} فالاستثناء حينئذ جائز، وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقاً للأمر بمشيئة الله لا شكاً في إيمانه، وهذا القول في القوة كما ترى".
وهنا مسألة أخرى نبَّه عليها المؤلف في (الإيمان الكبير) (٧/ ٢٥٩) وهي الاستثناء في الإسلام، إنه إن أراد بالإسلام الكلمة على قول الزهري وهي الشهادتان فلا استثناء فيها، يقول -رحمه الله-: (فالإسلام الذي لا يستثنى فيه الشهادتان باللسان فقط فإنها لا تزيد ولا تنقص فلا استثناء فيها) وقال أيضاً: (وتعليل أحمد وغيره من السلف ما ذكروه في اسم الإيمان يجيء في اسم الإسلام، فإذا أريد بالإسلام الكلمة فلا استثناء فيه، كما نص عليه أحمد وغيره، وإذا أريد به من فعل الواجبات الظاهرة كلها فالاستثناء فيه كالاستثناء في الإيمان).
(١) في (ط): "يقبل".
(٢) في (ط): "يتقي".
(٣) في (م): "يفعله".
(٤) في (ط): "تخلصه".
(٥) تعرَّض المصنف في مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٢٣) لمسألة وهي: هل تغفر ذنوب الكافر إذا أسلم ولم يتب منها؟ وقال: "إن فيها قولين معروفين: =

<<  <   >  >>