القول الثاني: أنه لا يستحق أن يغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه، فإذا أسلم وهو مصر على كبائر دون الكفر، فحكمه في ذلك حكم أمثاله من أهل الكبائر، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأصول والنصوص، فإن في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حكيم بن حزام: (يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: "من أحسن منكم في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر") فقد دل هذا النص على أنه إنما ترفع المؤاخذة بالأعمال التى فعلت في حال الجاهلية عمن أحسن، لا عمن لا يحسن، وإن لم يحسن أخذ بالأول والآخر، ومن لم يتب منها فلم يحسن، وقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما قد سلف منه، لا يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما سلف من غيره. . . وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان يهدم ما قبله" وفي رواية: (يجب ما قبله): فهذا قاله لما أسلم عمرو بن العاص، وطلب أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، فقال له: "يا عمرو، أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها" ومعلوم أن التوبة إنما توجب مغفرة ما تاب منه، لا توجب التوبة غفران جميع الذنوب". وهذه المسألة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١٢/ ٢٦٦) عند شرحه للحديث السابق -الذي ذكر شيخ الإسلام أن حكيم بن حزام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في الصحيحين أو الروايات الأخرى ذكر له، وإنما الحديث عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ: (ولم أقف على اسمه) وفي رواية: سألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعل شيخ الإسلام عرض له حديث حكيم بن حزام في الصحيحين عندما ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أموراً كان يصنعها في الجاهلية من صلة وصدقة وعتق، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أسلمت على ما أسلفت من خير" رواه البخاري برقم (٥٩٩٢) كتاب الأدب، ومسلم برقم (١٢٣) كتاب الإيمان. وقد ذكر الحافظ أقوالاً فىِ شرح المقصود بالإساءة في هذا الحديث: منها ما ذهب إليه القرطبي أنها إسلام الرجل رياء وسمعة، ومال إلى قول من قال: إنها الكفر، وأن الكافر إذا أسلم ثم ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم، فيعاقب على جميع ما قدمه، وذكر أن الخطابي وابن بطال نقلا الإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ثم ذكر أنه وجد في "كتاب السنة" لعبد العزيز بن جعفر أحد رؤوس الحنابلة ما يدفع دعوى الخطابي =