للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو كان العمل لا يقبل إلا ممن لا كبيرة عليه، لم يصح إسلام الذمي حتى يتوب من الفواحش والمظالم، بل يكون مع إسلامه مخلداً.

وقد كان الناس يسلمون (١) على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهم ذنوب معروفة، وعليهم تبعات، فيقبل إسلامهم، ويبرؤون إلى الله من التبعات، كما ثبت في الصحيح: "أن المغيرة بن شعبة لما أسلم , وكان قد رافق قوماً في الجاهلية فغدر بهم، وأخذ أموالهم، وجاء فأسلم، فلما جاء عروة بن مسعود عام الحديبية، والمغيرة قائم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف , دفعه المغيرة بالسيف، فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن أختك المغيرة فقال: يا غدر [ألست] (٢) أسعى في غدرتك! ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما الإسلام فأقبله، وأما المال فلست منه في شيء" (٣).

وقال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)} [الأنعام: ٥٢].

وقال لنوح -عليه السلام-: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)} [الشعراء: ١١١].


= وابن بطال في الإجماع، وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول: إن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رد عليه بحديث ابن مسعود.
ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها في الإسلام، فإنه يؤاخذ بها، لأنه بإصراره لا يكون تاب منها، وإنما تاب من الكفر، فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية لإصراره عليها، وإلى هذا ذهب الحليمي من الشافعية، ولكن هذا القول هو خلاف قول الجمهور.
(١) في (ط): "مسلمين".
(٢) في نسخة الأصل: "أو لست"، والتصحيح من (م) و (ط)، وهو الموافق لرواية البخاري.
(٣) هو جزء من حديث الحديبية الطويل رواه البخاري برقم (٢٧٣١ - ٢٦٣٢) كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد، وأحمد برقم (١٨١٦٦).

<<  <   >  >>