للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما دعوته وجهاده مع النصارى فإن واقعة عساف النصراني الذي سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، خير شاهد ودليل، ولئن أوذي شيخ الإسلام رحمه الله بسبب تلك الواقعة، فلقد أسفرت عن تأليف سفره العظيم: "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (١).

وقد شارك رحمه اللهُ في فتح "عكا" واستنقاذها من أيدي الصليبيين، "وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أمورًا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها، قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها، بفعله ومشورته وحسن نظره .. " (٢).

ولم تقف دعوة شيخ الإسلام عند حدود المخالفين من المنتسبين إلى المسلمين، بل كان لأصحاب الديانات الأخرى نصيب لا بأس به من دعوته، ومن ذلك إرساله كتابًا إلى ملك قبرص النصراني يدعوه فيه إلى الإسلام، ويبين فيه أن دين الأنبياء عليهم السلام واحد، ويذكر له تلبيسات القساوسة، وابتداعات الرهبان، ويناقشهم تفصيلات في دينهم، كإدخال الألحان في صلواتهم، وقد كان خطاب شيخ الإسلام لملك قبرص فياضًا باللين والسماحة والحكمة والموعظة الحسنة، فهو يبتدي خطابه للملك بقوله: "من أحمد بن تيمية إلى سرجوان عظيم أهل ملته، ومن تحوط به عنايته من رؤساء الدين، وعظماء القسيسين .. سلام على من اتبع الهدى .. وإنما نبه الداعي لعظيم ملته وأهله، لما بلغني ما عنده من الديانة والفضل، ومحبة أهل العلم وطلب المذاكرة ... ونحن نحب الخير لكل أحد، ونحب أن يجمع الله لكم خير الدنيا والآخرة .. وأنا ما غرضي الساعة إلا مخاطبتكم بالتي هي أحسن، والمعاونة على النظر في العلم، واتباع الحق،


(١) المصدر السابق (١٤/ ٣٥٥)، والجدير بالذكر أن شيخ الإسلام ضرب وسجن بسبب هذه الواقعة، ولكنه بعد ذلك أطلق وأكرم، وأما عساف هذا فقد لقي ختفه مقتولًا على يد ابن أخيه، وما ربك بظلام للعبيد.
(٢) الأعلام العلية (٣٢)، وقد كان فتح عكا سنة (٦٩٠ هـ)، وقد كان عمر شيخ الإسلام وقتها لا يتجاوز الثلاثين.

<<  <   >  >>