للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهذه الوجوه هي: هل يكون كل واحد من آحاد الناس أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة؟ وقال شيخ الإسلام: وهذا لا يقوله عاقل (٤/ ٣٥٠)، وهذا وجه، أو أيهما أفضل: الأنبياء أو الملائكة؟ أو أيهما أفضل صالحو البشر أو الملائكة؟ أو أن الملأ الأعلى من الملائكة أفضل بأية حال؟ أو أن حقيقة الملك والطبيعة الملكية أفضل من حقيقة البشر وطبيعتهم؟ (٤/ ٣٥٣)، وبعضهم خصَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستثناه من عموم البشر وفضله على جميع الملائكة؟ أو التوقف في ذلك؟
وقال شيخ الإسلام في أثناء كلامه في التفضيل بين الملائكة والبشر: "وقد ذكر جماعة من المنتسبين إلى السنة أن الأنبياء وصالحي البشر أفضل من الملائكة، وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر، وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع فيهما بشيء، وحكي عن بعض متأخريهم أنه مال إلى قول المعتزلة. . . " (٤/ ٣٥٦).
ومال شيخ الإسلام إلى تفضيل صالحي البشر على الملائكة، وذكر في ذلك وجهًا لطيفًا جدًا وهو قوله: "وأيضًا فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهاينهم، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة، ونالوا الزلفى، وسكنوا الدرجات العلى، وحياهم الرحمن، وخصهم بمزيد قربه، وتجلى لهم، يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم، فلينظر الباحث في هذا الأمر، فإن أكثر الغالطين لما نظروا في الصنفين رأوا الملائكة بعين التمام والكمال، ونظروا الآدمي وهو في هذه الحياة الخسيسة الكدرة، التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، وليس هذا بالإنصاف" (٤/ ٣٧٢) ثم قال في آخر كلامه: "كما يكون الشيخ العاقل أفضل من عامة الصبيان، لأنه إذ ذاك فيه من الفضل ما ليس في الصبيان، ولعل في الصبيان -من يكون- في عاقبته أفضل منه بكثير، ونحن إنما نتكلم على عاقبة الأمر ومستقره" (٤/ ٣٩٢) وهذا يكون وجهًا جديدًا يضاف على الوجوه السابقة، ويكاد يرجحها جميعًا، والله أعلم، وممن أطال في هذه المسألة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله عند شرحه للطحاوية (٢/ ٤١٠ - ٤٢٣)، وذكر أن الشيعة يقولون بتفضيل أئمتهم على الملائكة -وهذا أمر مشهور عنهم- وذكر أيضًا أن الشيخ تاج الدين الفزاري له مصنف في ذلك سماه "الإشارة في البشارة في تفضيل البشر على الملك" وقال إنه ذكر في آخرها أنها مسألة من بدع علم الكلام التي لم تكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلم الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كثير من المقاصد، ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن، وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان (٢/ ٤١٣).
ويقول المصنف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وكنت أحسب أن القول فيها =

<<  <   >  >>