للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا قال قائل: إن اسم الإيمان إنما يتناول مجرد (١) ما هو تصديق،


= يقول أبو الخطاب الكلوذاني في كتابه التمهيد في أصول الفقه (٢/ ٢٥٢): "الأسماء المنقولة من اللغة إلى الشرع حقيقة في مسمياتها مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج، فيكون حد الاسم الشرعي ما استفيد بالشرع وضعه للمعنى سواء عرفه أهل اللغة أو لم يعرفوه، فإذا أطلق الشرع الأمر بالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج حمل على الشرعية، وبه قال عامة المعتزلة، وأصحاب أبي حنيفة.
وقالت الأشعرية: لم ينقل شيء من الأسماء في اللغة إلى الشرع، ولا يجوز ذلك، بل الاسم باق على ما كان عليه في اللغة، وضم الشرع إليه أفعالًا، فالصلاة اسم الدعاء، وضم الشرع إليها ركوعًا وسجودًا وقيامًا وجلوسًا وذكرًا. . . " ثم شرع في الرد عليهم.
ويقتضي على مذهب هؤلاء أن الركوع والسجود وبقية أجزاء الصلاة ليست منها حقمة، وإنما مجازًا، وكذلك فعلوا في الإيمان. مجموع الفتاوى (٧/ ٢٨٩).
وهذه المسألة طرقها علماء الأصول، وقد ذكرنا بعض من تكلم فيها كأبي يعلى وإمام الحرمين وأبي الخطاب والطوفي، وانظر كذلك: شرح الكوكب المنير لابن النجار (٤٧)، روضة الناظر (١٣٥) حيث نصر مؤلفه العلامة ابن قدامة المقدسي رحمه الله القول الأول، وضعف القول الثاني الذي هو قول الباقلاني وأبي يعلى، وانظر: إرشاد الفحول للشوكاني (٢١)، ونزهة الخاطر للشيخ عبد القادر بن بدران (٢/ ١٠)، وذكر أن القول الأول هو مذهب الجمهور.
والمؤلف رحمه الله بحث المسألة في الإيمان الكبير، مجموع الفتوى (٧/ ٢٩٨ - ٣٠٢)، وحكى فيها ثلاثة أقوال: (الأول): أنها منقولة من اللغة إلى الشرع، و (الثاني) أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة، و (الثالث) أنه حقيقة في الشرع مجاز في اللغة، ثم قال: "والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها. . . " (٧/ ٢٩٨)، وقال: "وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلك الخصائص، والاسم دل عليها، فلا يقال: إنها منقولة، ولا أنه زيد في الحكم دون الاسم، بل الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع، لم يستعمل مطلقًا، وهو إنما قال: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بعد أن عرفهم الصلاة المأمور بها، فكان التعريف منصرفًا إلى الصلاة التي يعرفونها، لم يرد لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه. . " (٧/ ٣٠٠).
ويقول أيضًا: "وكذلك الإيمان والإسلام وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور، وإنما سأل جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وهم يسمعون، وقال: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم، ليبين لهم كمال هذه الأسماء وحقائقها التي ينبغى أن تقصد لئلا يقصروا على أدنى مسمياتها. . . " (٧/ ٣٠١).
(١) في (م): "مجردًا".

<<  <   >  >>