للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الصديق - رضي الله عنه - في ذي الحجة، أم وقعت في ذي القعدة من أجل النسيء الذي كان الجاهلية يؤخرون له الأشهر ويقدمونها؟ على قولين، والثاني قول مجاهد وغيره، وعلى هذا فلم يؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج بعد فرضه عامًا واحدًا، بل بادر إلى الامتثال في العام الذي فرض فيه"، وفهم من ذلك أن ابن القيم يميل إلى قول مجاهد.
وقد ورد في تفسير النسيء أكثر من وجه، منها وجهان تتغير فيهما أشهر الحج، وقد ذكر جمع من المفسرين أن حجة الصديق - رضي الله عنه - كانت في ذي القعدة، عند تفسيرهم لقول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، ومن هؤلاء القاضى أبو بكر بن العربي رحمه الله في أحكام القرآن (٢/ ٥٠٣)، والقرطبي في تفسيره (٨/ ٦٩)، والحافظ ابن كثير في تفسيره (٢/ ٣٥٨).
وروى البيهقي بسنده عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال عن أهل الجاهلية: "ينسئون فيحجون في شهر، وعامًا في غيره، ويقولون: إن أخطأنا موضع الحرم في عام أصبناه في غيره، فأنزل الله جل ثناؤه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ. .} " السنن الكبرى (٥/ ١٦٥).
أما الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى فقال عن أحداث السنة التاسعة من الهجرة: "وفيها حج بالناس أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - على الموسم في أواخر ذي القعدة، يقيم للمسلمين حجهم، ونزلت براءة إثر خروجه" السيرة النبوية من سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٦٢)، ووقع عنده رحمه الله في حديث زيد بن يثيع المتقدم قال: سألت عليًا - رضي الله عنه -، بأي شيء بعثت في ذي الحجة؟ . . .، وهذا اللفظ إن كان محفوظًا فهو نص في الخلاف في هذه المسألة، ولكن لم أجد هذه اللفظة في روايات الحديث، وإنما الذي ورد هو قوله: في الحجة، أي في تلك الحجة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على الموسم، ولعل ما وقع تحريف أو تصحيف.
وأما الحافظ ابن كثير، فبعد أن أورد قول مجاهد عقب عليه قائلًا: "وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضًا، وكيف تصح حجة أبى بكر، وقد وقعت في ذي القعدة، وأنّى هذا؟ ! ! وقد قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ. .} [التوبة: ٣] وإنما نودي به في حجة أبي بكر، فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. .} تفسير ابن كثير (٢/ ٣٥٨)، وهو استدلال قوي ظاهر.
وذكر الحافظ رحمه الله في الفتح (٨/ ٨٢) أن ابن سعد روى بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، ووافقه عكرمة بن خالد، ثم قال: "ومن عدا هذين (يعني مجاهدًا وعكرمة) إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة، كالداودي، وبه جزم من المفسرين الرماني، والثعلبي، والماوردي، وتبعهم جماعة، وإما ساكت، والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي. . . "، =

<<  <   >  >>