للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، فليس في لفظ (١) الآية إلا الأمر بإتمام ذلك، وذلك يوجب إتمام ذلك على من دخل فيه، فنزل الأمر بذلك لما أحرموا بالعمرة عام الحديبية، ثم أحصروا فأمروا بالإتمام، وبين لهم حكم الإحصار (٢)، ولم يكن حينئذ قد وجب عليهم لا عمرة ولا حج.

(الجواب الثاني): أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يذكر في مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض الظاهرة التي يقاتل (٣) على فعلها (٤) الطائفة الممتنعة، كالصلاة والزكاة.

ويذكر تارة ما يجب على المسائل، فمن أجابه بالصلاة والصيام، لم يكن عليه زكاة يؤديها، ومن أجابه بالصلاة والزكاة والصيام، فإما أن يكون قبل فرض الحج، وهذا هو الواجب في مثل حديث عبد القيس ونحوه، وإما أن يكون المسائل ممن لا حج عليه.

وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض، ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما (٥)، لأنهما عبادتان ظاهرتان (٦) بخلاف الصوم، فإنه أمر باطن وهو مما ائتمن الناس عليه، فهو من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحو ذلك، مما يؤتمن عليه العبد، فإن الإنسان يمكنه أن لا ينوي الصوم، وأن يأكل سرًا، كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته.

وأما الصلاة والزكاة فأمر ظاهر، لا يمكن الإنسان بين المؤمنين أن يمتنع من ذلك وهو - صلى الله عليه وسلم - يذكر في الإسلام الأعمال الظاهرة، التي يقاتل عليها الناس، ويصيرون مسلمين بفعلها، فلهذا علق ذلك بالصلاة والزكاة


(١) في (م) و (ط): "هذه".
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٢٣٢).
(٣) في (ط): "تقاتل".
(٤) في (ط): "تركها".
(٥) يعني قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥]، وقد تقدم الكلام عنها.
(٦) كلمة (ظاهرتان) ليست في (م) و (ط).

<<  <   >  >>