ونصوصه وأجوبته على المسائل، فهي أكثر من أن أقدر على إحصائها، لكن دُوِّن بمصر منها على أبواب الفقه سبعة عشر مجلداً، وهذا ظاهر مشهور، وجمع أصحابه أكثر من أربعين ألف مسألة، وقلّ أن وقعت واقعة وسئل عنها، إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر، وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمن طويل ومطالعة كتب، وقد لا يقدر مع ذلك على إبراز مثله .. " (١).
ومما سبق يتضح أن شيخ الإسلام -رحمه الله- بسبب الظروف التي أحاطت به، وبسبب دواعي التأليف العامة لديه، ووجود عدد من العلماء المتتلمذين على يديه، الذين كانوا يبيضون ما يكتبه، ويحرصون أشد الحرص على اقتناء ما يكتب، تفرقت مؤلفاته، وربما تباينت وتعددت عناوين طائفة منها، وربما أيضاً تجزأت بعضها، وصار كل جزء منها رسالة مستقلة.
كما يتضح أيضاً أن شيخ الإسلام في كثير من هذه المصنفات لم يعن بعناوينها، وربما لم يعنون طائفة منها، ولأن جملة كبيرة منها لم تبيض، ولم يراجعه -رحمه الله-، وجاءت بعض العناوين إما من تلامذته الذين حازوا هذه الكنوز الثمينة من مصنفاته، وإما من أهل العلم أو النساخ الذين وصلت إلى أيديهم بعد ذلك.
ويقول الحافظ ابن محمد الهادي: "وسأجتهد إن شاء الله في ضبط ما يمكنني من ضبط مؤلفاته في موضع آخر غير هذا، وأبين ما صنفه منها بمصر، وما ألفهُ منها بدمشق، وما جمعه وهو في السجن، وأرتبه ترتيباً حسناً غير هذا الترتيب، بعونه تعالى وقوته ومشيئته .. ".
ولا يدري الباحث هل وفَّى ابن عبد الهادي بما وعد به، وضاع ما صنفه في هذا الباب ولم يصل إلينا، أم أنه لم يؤلف في ذلك شيئاً، وإن كنت أميل إلى الاحتمال الثاني، لسببين:
الأول: لم يذكر أن ابن عبد الهادي له مصنف مستقل عن مؤلفات شيخ الإسلام.