للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المغارسة والمناصبة (١) تجوز في ظاهر مذهب أحمد، ذكرها العكبري (٢) والقاضي وجوزها، وقاسها على المزارعة، فإن المزارعة تقتضي المشاركة في الثمرة.

وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "نقركم ما شئنا" رواه مسلم (٣).

ثم (٤) إذا كان الغرس من صاحب الأرض، فهو كما لو كان البذر من العامل، فيشتركان فيما يحدثه الله من الثمر والزرع.


= ومن قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣). . .} [الواقعة: ٦٣]. . . ".
وأخيرًا يقول: "والشارع رعى المصلحة العامة، لأن الجالب إذا لم يعرف السعر، ولا أخبر بثمن المثل، كان المشتري قد غره، وليس ذلك من الصدق والنصح في شيء، إنما هو خيانة وغش، فإن أضاف إليها كذبًا صريحًا مثل أن يقول: قد أعطيت فوق ما يساوي في سوقه، لأجل حاجتي إلى ذلك، ونحو هذا مما يستعمله من لا عناية له بمطعمه ومشربه، ومن جل قصده تثمير المال، والمفاخرة والمكاثرة بحسن المخادعة في البيوع، وكل ذلك محرم محذور".
وبعد كل هذه الأمثلة يظهر لنا جليًا روعة الأسلوب الَّذي صاغ به المصنف تلك القضايا الفقهية، وربطها بموضوع الإحسان، وتركيزه على جانب التعاون والصدق والأمانة والورع في المعاملات والبيوع بين المسلمين، وكل هذا يدخل ولا شك -في مرتبة الإحسان، وهذا ما أراده المصنف، والله أعلم.
ويا ليت كثيرًا من الفقهاء عنوا بالجانب الروحي والتربوي عند مناقشتهم للمسائل الفقهية، وتوضيح المقاصد العظيمة والغايات السامية من وراء هذه التشريعات الإسلامية.
(١) هما بمعنى واحد، وهو: دفع أرض بيضاء مدة معلومة ليغرس فيها، وتكون الأرض والشجر بينهما، حاشية ابن عابدين (٥/ ١٨٣) كشاف القناع (٣/ ٥٣٢)، شرح منتهى الإرادات (٢/ ٣٤٣).
(٢) هو شيخ الحنابلة القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد العكبري البرزيني -وهي قرية كبيرة على خمسة فراسخ من بغداد- من كبار تلامذة القاضي أبي يعلى، وكان من أعرف القضاة في عصره بأحكام القضاء، ذو هيبة كبيرة، وقرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد، وانتفعوا به، من مصنفاته: "التعليقة في الفقه" في عدة مجلدات، مات سنة ٤٨٦ هـ. طبقات الحنابلة (٢/ ٢٤٥)، الأنساب (٤/ ٤٢٦)، المنتظم (٩/ ٨٠)، سير أعلام النبلاء (١٩/ ٩٣)، ذيل طبقات الحنابلة (١/ ٧٣)، شذرات الذهب (٥/ ٣٨٠).
(٣) تقدم تخريج هذا الحديث (ص ٦٠٢).
(٤) كتب قبل "ثم" في نسخة الأصل: (وفي الأصل) وقد حذفناها، لأننا نرجح أنها مقحمة من الناسخ.

<<  <   >  >>