للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للآكل حجة إذا أخذ الحرام، وسماه بغير اسمه، واحتج لغلبة هواه، ورغبته في تثمير المال بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، ولا يعلم أن من العلم جهلًا، وهو: أن يتكلف العالم الكلام فيما لا يعلم تأويله، ولا يعرف صحته، فينسب إلى الجهل مع علمه بفنون من العلم.

قيل لعفان بن مسلم (١)، وقد سئل في حضرة الخليفة مسألة فقال: لا أعلم.

فقيل له: أيصرف إليك من بيت المال في كل شهر ألف درهم، وأنت لا تعلم! ! فقال: إنما آخذ على ما أعلم، وإلا فلو أخذت على ما لا أعلم لفني بيت المال، قبل أن يفنى ما لا أعلم (٢).

فمن العلم جهلًا، ومن القول عيلًا، وهو أن تقبل بحديثك على من لا يسمعه، وتخص به من لا يفهمه (٣).


(١) هو عفان بن مسلم بن عبد الله، قال عنه الإمام الذهبي: (الإمام الحافظ محدث العراق أبو عثمان الصفار بقية الأعلام)، من كبار المحدثين، كان له موقف عظيم في محنة القول بخلق القرآن، وهو أول من امتحن من العلماء، وهدد بقطع جرايته من بيت المال -وقطعت فيما بعد- وأهل بيته كثير، فلم يجب إلَّا بقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)} [الذاريات: ٢٢]، وكان الإمام أحمد يعرف له هذا، ويجله من أجل موقفه في المحنة، وكان عفان غاية في الحفظ والضبط والإتقان، ومات سنة ٢٢٠ هـ، كما نص عليه البخاري.
التاريخ الصغير (٢/ ٣٤٢)، الجرح والتعديل (٧/ ٣٠) , تاريخ بغداد (١٢/ ٢٩٦)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٤٢)، شذرات الذهب (٣/ ٩٦).
(٢) هذه القصة مشهورة عن إبراهيم بن طهمان عالم خراسان (المتوفي سنة ١٦٨ هـ)، وذكر مرة عند الإمام أحمد وكان متكئًا من علة، فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ، ولم أجدها في ترجمة عفان بن مسلم، فيما بحثت فيه من مصادر، وممن ذكر هذه القصة عن إبراهيم بن طهمان، الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٦/ ١٥٠)، والمزي في تهذيب الكمال (٢/ ١٠٨)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (١/ ٢١٣)، وسير أعلام النبلاء (٧/ ٣٨٢).
(٣) قال في القاموسي المحيط (١٣٤٠): (العيل محركة: عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده، وليس من شأنه، كأنه لم يهتد لمن يريده، فعرضه على من لا يريده).

<<  <   >  >>