للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: أعطه إياها، فإنه صغير، وربما يفرح بها فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه، وقل له: لك في كل شهر مثلها، فامتنع من قبولها، وقال: يا سيدي، إني عاهدت الله تعالى، أن لا آخذ على القرآن أجراً، ولم يأخذها ..

ولقد اتفق كل من رآه، خصوصاً من أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في الزهد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهوراً .. بل لو سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد أهل هذا العصر، وأكملهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية رحمة الله عليه .. " (١).

ومع ذلك فقد كان - رضي الله عنه - "مع شدة تركه للدنيا ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها، مؤثراً بما عساه يجده منها، قليلاً كان أو كثيراً ..

فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئاً نزع بعض ثيابه المحتاج إله فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين، فيؤثر بذلك على نفسه، وربما خبأهما في كمه ويمضي، ونحن معه لسماع الحديث، فيراه بعضنا وقد دفعه إلى الفقير مستخفياً، يحرص أن لا يراه أحد .. " (٢).

أما شجاعة شيخ الإسلام وقوة جنانه ورباطة جأشه فأمر فوق الوصف، ولقد قال الذهبي: "وأما شجاعته فيها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال .. " (٣).

ويقول البزار: "كان - رضي الله عنه - من أشجع الناس وأقواهم قلباً، ما رأيت أحداً أثبت جأشاً منه، ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم ..

وكان إذ ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيراً أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت .. " (٤).

وكان -رحمه الله- له نظرة في ذلك حيث كان يقول: "لن يخاف الرجل


(١) المصدر السابق (٢١).
(٢) المصدر السابق (٢٢).
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٩٥).
(٤) الأعلام العلية (٣٢).

<<  <   >  >>