وكان قد عرفت عادته لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يسمع نفسه، وربما يسمع ذكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يكثر من تقليب بصره نحو السماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة .. ".
ثم يذكر خروجه من المسجد وإقبال الناس عليه ويقول: "وإذا رأى منكراً في طريقه أزاله، أو سمع بجنازة سارع إلى الصلاة عليها، أو تأسف على فواتها، وربما ذهب إلى قبر صاحبها بعد فراغه من سماع الحديث فصلى عليه ..
ثم يعود إلى مسجده، فلا يزال تارة في إفتاء الناس، وتارة في قضاء حوائجهم، حتى يصلي الظهر مع الجماعة، ثم كذلك بقية يومه ..
وكان مجلسه عاماً للكبير والصغير، والجليل والحقير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، قد وسع على كل من يرد عليه من الناس، يرى كل منهم في نفسه أن لم يكرم أحداً بقدره ..
ثم يصلي المغرب، ثم يتطوع بما يسره الله، ثم أقرأ عليه من مؤلفاته أو غيري، فيفيدنا بالطرائف ويمدنا باللطائف، حتى يصلي العشاء، ثم بعدها كما كنا وكان، من الإقبال على العلوم، إلى أن يذهب هوي من الليل طويل، وهو في خلال ذلك كله في النهار والليل، لا يزال يذكر الله تعالى، ويوحده ويستغفره ..
وكان في كل أسبوع يعود المرضى، خصوصاً الذين بالبيمارستان ...
وأخبرني غير واحد ممن لا يشك في عدالته: أن جميع زمن الشيخ ينقضي على ما رأيته، فأي عبادة وجهاد أفضل من ذلك؟ فسبحان الموفق من يشاء لما يشاء .. " (١).
ويتحدث البزار عن زهده فيقول: "أما زهده في الدنيا ومتاعها، فإن الله تعالى جعل ذلك به شعاراً من صغره، حدثني من أثق به عن شيخه الذي علمه القرآن المجيد، قال: قال لي أبوه وهو صبي -يعني الشيخ-: أحب إليك أن توصيه وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كل شهر أربعين درهماً، قال: ودفع إليّ -يعني أبوه- أربعين درهماً،