قومًا خرجوا في نتف الأسل، فطحن لهم على رحا، فتبينوا بعد أنَّ الرحا فيه شيء يكرهونه؛ غصب، فتصدق بعضهم بنصيبه، وأبى بعضهم. وقال: لست آمر فيه ولا أنهى. شيء لا أرضى به، آكله ولا أتصدق به.
فعجب أبو عبد اللَّه، وقال: إذا تصدق به فأيش بقي! وكان مذهب أبي عبد اللَّه أن يتصدق به إذا كان شيء يكرهونه.
"الورع"(٣٦٦)
قال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: يُحكى عن فُضيل أن غُلامه جاءه بدرهمين. فقال: ما عملت في دار فُلان؟ فذكر من تكره ناحيتُه. قال: فرمى بها بين الحجارة، وقال: لا يتقرب إلى اللَّه إلَّا بالطيب، فعجب أبو عبد اللَّه، وقال: رحمه اللَّه. وذهب أبو عبد اللَّه في مثل هذا الموضع إلى أن يتصدق به، كأنه عنده أحوط.
قلت لأبي عبد اللَّه: إن أبا معاوية الأسود قال للفضيل: فضل معي شيء -يعني: من الوجه الذي لا يرضاه- قال: أَنْتَ خُذه، واقعد في جلبة -يعني: زورقا- واقذفه في جوف البحر.
فتبسم أبو عبد اللَّه، وقال: في هذا الموضع: يعجبني أن يتصدق به.
وقال: إذا تصدق به فأي شيء بقي؟
"الورع"(٤٤٢)
نقل عنه أبو طالب: فيمن خلط زيتًا حرامًا بمباح، أعجب إليَّ أن يتصدق به، هذا غير الدراهم.