بصره، فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه، فرد يده على عينيه، ولصق بالأرض، وسمع الخفق والوجس، إلا أنه يسمع حينئذ شيئًا لم يسمع السامعون بمثله عظمًا، فلما بلغ موسى الكرب، واشتد عليه الهول، وكاد أن يخالط في عقله في شدة الخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة؛ فقيل: يا موسى فأجاب سريعًا، وما يدري من دعاه؟ وما كان سرعة إجابته إلا استئناسًا بالأنس، فقال: لبيك، مرارًا إني أسمع صوتك، وأوجس وجسك، ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك. فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه جل وعز، فأيقن به، فقال: كذلك أنت يا إلهي، فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال عز وجل: بل أنا الذي أكلمك، فادن مني. فجمع موسى يديه في العصا، ثم تحامل، حتى استقل قائمًا، فرعدت فرائصه، حتى اختلفت واضطربت رجلاه، وانقطع لسانه، وانكسر قلبه، ولم يبق منه عظم يحمل آخر، فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه، ثم زحف على ذلك، وهو مرعوب، حتى وقف قريبًا من الشجرة التي نودي منها، قال له الرب تبارك وتعالى: إليّ، ما تلك بيمينك يا موسى، قال: هي عصاي. قال: وما تصنع بها -ولا أحد أعلم بذلك منه- قال موسى عليه السلام:{أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه: ١٨] وكان لموسى في العصما مآرب؛ كانت لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين، قال له الرب تبارك وتعالى: ألقها يا موسى. فظن موسى أنه يقول: ارفضها. فألقاها على وجه الرفض، ثم حانت منه نظرة، فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، يدب يلتمس كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل، فيقتلعها، ويطعن بأنياب من