للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمُورِهِمْ، وَعُلَمَائِهِمْ

وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَاقْتِفَاءُ آثَارِهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ.

وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

وَلَكِنَّ الْجَمِيعَ مَا بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُقَلِّدٍ عَلَى هُدًى وَخَيْرٍ فَهُوَ مَأْجُورٌ، وَسَبَبُ تِلْكَ الْحُرُوبِ مَعَ عَدَالَتِهِمْ اخْتِلَافُ اجْتِهَادِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَةً. فَإِنْ قِيلَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ. . . إلَخْ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِمْسَاكِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ ابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ مِنْ الْمُكَلَّفِ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَكَلَّمَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَلْتَمِسَ لَهُمْ أَحْسَنَ الْمَخَارِجِ، أَوْ أَنَّ الْإِمْسَاكَ إنَّمَا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ الْعَوَامّ أَوْ بِحَضْرَةِ الْعَوَامّ أَوْ الْمُبْتَدِعَةِ، وَأَمَّا الْخَوْضُ لِلْعَالِمِ بِحَضْرَةِ غَيْرِ الْعَامِّيِّ فَلَا حَرَجَ وَيَلْتَمِسُ لَهُمْ أَحْسَنَ الْمَحَامِلِ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَدْ قَدَّمْنَا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَعَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ لَيْسَ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَلَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الدِّينِ بَلْ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْيَقِينِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَوْمُ بَعْضَ شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا صَوْنًا لِلْقَاصِرِينَ عَنْ اعْتِقَادِ ظَوَاهِرِ حِكَايَاتِ الرَّافِضَةِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ قَرْنِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ قَرْنَ التَّابِعِينَ لَا يَجِبُ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ، بَلْ كُلُّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَادِحٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهُ وَوُسِمَ بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، وَكَانَ مِنْ يَزِيدَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ وَالْإِهَانَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَعَنَهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَنْ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ مَنْ طَعَنَهُ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُنَجِّسُ أَلْسِنَتَنَا بِذَكَرِهِ.

قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ رَضِيَ يَزِيدَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَإِهَانَتَهُ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُهُ آحَادًا فَنَحْنُ لَا نَتَوَقَّفُ فِي شَأْنِهِ بَلْ فِي إيمَانِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْصَارِهِ وَعَلَى أَعْوَانِهِ، وَخَالَفَ فِي جَوَازِ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ كَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فَيَجُوزُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الصَّوَاعِقِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْوُعَّاظِ حِكَايَةُ قَتْلِ الْحُسَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا يَنْدَفِعُ بِهِ سُوءُ الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ، وَأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَانَ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ الصَّحَابَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَالُوهُ مِنْ جَوَازِ ذِكْرِ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ لِبَيَانِ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ تَعْظِيمِ الصَّحَابَةِ وَبَرَاءَتِهِمْ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ.

الثَّالِثُ: قَاتِلُ الْحُسَيْنِ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ الْأَشْجَعِيُّ وَكَانَ قَتَلَهُ بِكَرْبِلَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ، وَلَمَّا حَمَلَ رَأْسَهُ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ جَعَلَهُ فِي طَشْتٍ وَجَعَلَ يَضْرِبُ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ وَكَانَ أَنَسُ حَاضِرًا فَبَكَى وَقَالَ: كَانَ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ إخْوَتِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ: ارْفَعْ قَضِيبَك فَوَاَللَّهِ لَطَالَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّفَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَ زَيْدٌ يَبْكِي، فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْك لَوْلَا أَنْتَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْت لَضَرَبْت عُنُقَك.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (الطَّاعَةُ) أَيْ الِامْتِثَالُ وَالِانْقِيَادُ (لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرُوا بِهِ سِوَى الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ، فَأَمَّا فِي الْمَعْصِيَةِ فَتَحْرُمُ طَاعَتُهُمْ لِخَبَرٍ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَغَيْرُ الْمَعْصِيَةِ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهُ، وَفِي وُجُوبِ إطَاعَتِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ الْوُجُوبُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْكَرَاهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَعَدَمُهُ عِنْدَ الْقُرْطُبِيِّ فَإِنْ أَطَاعَهُمْ بِظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَهُوَ عَاصٍ، وَالْأَئِمَّةُ جَمْعُ إمَامٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِمَامَةِ وَهِيَ لُغَةً التَّقَدُّمُ، وَاصْطِلَاحًا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا تَقْدِيمَهُ عَلَى غَيْرِهِ مَعْنًى وَمُتَابَعَةَ غَيْرِهِ لَهُ حِسًّا.

وَتَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: إمَامَةُ وَحْيٍ وَهِيَ النُّبُوَّةُ، وَإِمَامَةُ وِرَاثَةٍ كَالْعِلْمِ، وَإِمَامَةُ عِبَادَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ، وَإِمَامَةُ مَصْلَحَةٍ وَهِيَ الْخِلَافَةُ الْعُظْمَى لِمَصْلَحَةِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَكُلُّهَا تَحَقَّقَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي لِسَانِ أَهْلِ الْكَلَامِ انْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْنَى الْأَخِيرِ عُرْفًا وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى رِئَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا نِيَابَةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ لَا تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ إلَّا بِشُرُوطٍ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ وَالْكِفَايَةُ وَكَوْنِهِ قُرَشِيًّا وَاحِدًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا، فَإِنْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَالْإِمَامُ مَنْ انْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ بِأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ، فَإِنْ انْعَقَدَتْ لِاثْنَيْنِ بِبَلَدَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَقِيلَ هِيَ لِلَّذِي عُقِدَتْ لَهُ بِبَلَدِ الْإِمَامِ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ الْعَدَدُ فِي الْعَصْرِ الْوَاحِدِ وَالْبَلَدِ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ تَتَبَاعَدَ الْأَمَاكِنُ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ حُكْمُ الْإِمَامِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ فَيَجُوزُ التَّعَدُّدُ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ حُقُوقُ النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ الْأَئِمَّةَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ وُلَاةِ) أَيْ حُكَّامِ (أُمُورِهِمْ، وَ) مِنْ (عُلَمَائِهِمْ) وَالضَّمِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ السُّنَّةِ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>