وَتَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ.
، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
ــ
[الفواكه الدواني]
تَكُونُ إلَّا مَعَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ، وَالْمُشَاغَبَةُ هِيَ الْمُنَازَعَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ وَلَا لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ، وَالْمُخَالَطَةُ لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ لَا لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ.
وَلَمَّا كَانَ كُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ قَالَ: (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ (تَرْكُ) فِعْلِ (كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ) مِنْ الِابْتِدَاعَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا: «إيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ» وَهِيَ ابْتِدَاعَاتُ الْخَلَفِ السَّيِّئِ الَّذِينَ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَمُتْ حَتَّى مَهَّدَ الدِّينَ وَأَسَّسَ قَوَاعِدَهُ وَأَوْضَحَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ أَحَالَ بَعْدَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» الْحَدِيثُ، فَكُلُّ مَا كَانَ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى قِيَاسٍ أَوْ إلَى عَمَلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهُوَ دِينُ اللَّهِ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَبِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَبِهَذَا لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي الْأَقْضِيَةِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا ضَلَالَةً؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا اسْتَنَدَ إلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ بِإِيضَاحِ أَنَّ مَا يَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيه قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَلَوْ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِهِ، وَالْبِدْعَةُ الَّتِي هِيَ فِي ضَلَالَةٍ مَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ هِيَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ أَوْ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْبِدْعَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا أَقْرَبُ لِمَعْنَاهَا لُغَةً مِنْ أَنَّهَا مَا فُعِلَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مِثَالٍ، وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَهَذَا مَعْنَاهَا شَرْعًا، وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» . فَإِخْرَاجُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدْعَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ الْأَمْرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ الْقُرْآنِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ، وَالتَّوَسُّعُ فِي لَذِيذِ الْمَآكِلِ، وَأَذَانُ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: الْمُحْدَثَاتُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا أُحْدِثَ مِمَّا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فَهَذَا هُوَ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ. وَثَانِيهِمَا مَا أُحْدِثَ مِنْ الْخَيْرِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هِيَ يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَإِذَا كَانَتْ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ لُبْسَ الطَّيْلَسَانِ سُنَّةٌ، وَأَلَّفَ السُّيُوطِيّ فِي اسْتِحْبَابِ لُبْسِهِ كِتَابًا وَقَالَ: مَنْ أَنْكَرَ سَنَدَهُ فَهُوَ جَاهِلٌ.
١ -
(خَاتِمَةٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْأَصْحَابُ مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مِنْ الْخَمْسَةِ بِدْعَةٌ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا وَهِيَ كُلُّ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ تَبْلِيغَهَا لِمَنْ بَعْدَنَا وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَإِهْمَالَهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا، الثَّانِي: بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ إجْمَاعًا وَهِيَ كُلُّ مَا تَنَاوَلَتْهُ أَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَقَوَاعِدُهُ كَالْمُكُوسِ وَتَقْدِيمِ الْجُهَلَاءِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّوَارُثِ لِمَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا، الثَّالِثُ: بِدْعَةٌ مَنْدُوبَةٌ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ، عَلَى خِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، فَإِنَّ التَّعْظِيمَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانَ بِالدِّينِ فَلَمَّا اخْتَلَّ النِّظَامُ وَصَارَ النَّاسُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ كَانَ مَنْدُوبًا حِفْظُهَا لِظُلْمِ الْخَلْقِ، الرَّابِعُ: بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَهِيَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ الْكَرَاهَةِ كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقُرَبِ الْمَنْدُوبَةِ كَالصَّاعِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ فَيَفْعَلُ أَكْثَرَ مِمَّا حَدَّهُ الشَّارِعُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ حَيْثُ أَتَى بِهِ لَا لِشَكٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ، فَإِنَّ الْعُظَمَاءَ إذَا حَدَثَ شَيْئًا تُعِدُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ قِلَّةَ أَدَبٍ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ أَذَانُ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ الْخَامِسُ: بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ وَهِيَ كُلُّ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْإِبَاحَةِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ وَالْمَسْكَنِ الْحَسَنِ وَكَالتَّوْسِعَةِ فِي لَذِيذِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعِزُّ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ اتِّخَاذُ الْمَلَاعِقِ وَالضَّابِطُ لِمَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرْضُهُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَأَيَّ الْقَوَاعِدِ اقْتَضَتْهُ أُلْحِقَ بِهَا، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» مَحْمُولٌ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَلَمَّا كَانَ الْبَابُ كَالْكِتَابِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ كَالْفَرَاغِ مِنْ الْكِتَابِ خَتَمَهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ) وَرَسُولِهِ وَأَفْضَلِ خَلْقِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى السَّيِّدِ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute