للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ، وَيَسَّرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلذِّكْرَى، فَآمَنُوا بِاَللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ.

وَبِقُلُوبِهِمْ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَعِشْرِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ هَذَا، وَجِبْرِيلُ أَوَّلُ مَنْ سَجَدَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: إنَّمَا قُلْنَا: وَمِنْ فَضْلِهِ أَنْ أَعْذَرَ إلَيْهِ إشَارَةً إلَّا أَنَّ إرْسَالَ الرُّسُلِ مِنْ الْجَائِزَاتِ الْعَقْلِيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِ فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَبَثٌ لَا عَنْ الْعَقْلِ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ مُحَالٌ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْإِرْسَالِ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ عَقْلًا الْوَاجِبِ سَمْعًا وَشَرْعًا هُوَ مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ:

وَمِنْهُ إرْسَالُ جَمِيعِ الرُّسُلِ ... فَلَا وُجُوبَ بَلْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ

لَكِنْ بِذَا إيمَانُنَا قَدْ وَجَبَا ... فَدَعْ هَوَى قَوْمٍ بِهِمْ قَدْ لَعِبَا

وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْجَائِزِ الْعَقْلِيِّ.

الثَّانِي: الرَّسُولُ عُرْفًا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِنْسِ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنْ الْجِنِّ، وَالْعَامُّ الرِّسَالَةُ مِنْ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ حَتَّى لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَإِيمَانُ الْجِنِّ بِالتَّوَاتُرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: ٣٠] لَا يَدُلُّ عَلَى إرْسَالِهِ لَهُمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إيمَانُهُمْ بِهِ تَبَرُّعًا مِنْهُمْ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] فَالْمُرَادُ مِنْ أَحَدِكُمْ وَهُمْ الْإِنْسُ عَلَى حَدِّ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: ٢٢] فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ إحْدَاهُمَا.

الثَّالِثُ: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَعْذَرَ إلَيْهِ الْمُقْتَضِي لِقَصْرِ الْإِرْسَالِ عَلَى جِنْسِ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَيْهِمْ أَيْ إلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ، لِأَنَّ الْإِرْسَالَ لِلْإِنْسَانِ لَا يُنَافِي الْإِرْسَالَ لِغَيْرِهِ، وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ بَعْدَ تَرْجِيحِهِ إرْسَالَهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَرَجَّحَهُ الْبَارِزِيُّ وَزَادَ: أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى نَفْسِهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَلَبِيُّ.

الرَّابِعُ: فُهِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْإِرْسَالَ لِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لَا عِقَابَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] وَيَكُونُ قَرَارُهُ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَالْبُلْهِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ وُلِدَ أَكْمَهُ أَعْمَى أَصَمُّ، لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَا يُنَالُ بِعَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ، لَكِنْ لَا ثَوَابَ لَهُمْ لِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نَظِيرِ الْأَعْمَالِ الْمَقْبُولَةِ، وَأَيْضًا النَّارُ إنَّمَا يَخْلُدُ فِيهَا الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْفَتْرَةِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ غَيْرُ كُفَّارٍ، وَقِيلَ هَؤُلَاءِ فِي الْمَشِيئَةِ، وَقِيلَ يُبْعَثُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَذِيرٌ فَإِنْ أَطَاعُوهُ دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَإِنْ عَصَوْهُ دَخَلُوا النَّارَ، وَلَمَّا كَانَ التَّنْبِيهُ بِآثَارِ مَصْنُوعَاتِهِ وَالْإِعْذَارُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ وَفَقْدُهُمَا سَبَبًا لِلْغَوَايَةِ وَالْكُفْرَانِ قَالَ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَسَبُّبِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا.

(فَهَدَى) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَعْنَى أَرْشَدَ وَدَلَّ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْهِدَايَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ هِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى طَرِيقٍ تُوَصِّلُ إلَى الْمَطْلُوبِ، سَوَاءٌ حَصَلَ الْوُصُولُ وَالِاهْتِدَاءُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ آيَةُ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: ١٧] لِأَنَّهُمْ لَوْ وَصَلُوا لَمَا اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، وَيَدُلُّ لِأَهْلِ السُّنَّةِ آيَةُ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُوَصِّلُ، وَأَمَّا إرْشَادُهُ إدْلَالُهُ فَمَعْلُومٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى هَدَى خَلَقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي قَلْبِ مَنْ أَرَادَ تَوْفِيقَهُ لِلْإِيمَانِ، لِأَنَّ فَاعِلَ هَدَى هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَ: وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ، لِأَنَّ مَعْنَى أَضَلَّ خَلَقَ قُدْرَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي قَلْبِ مَنْ أَرَادَ خِذْلَانَهُ كَمَا يَأْتِي، وَالْأَوَّلُ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: فَآمَنُوا بِاَللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ هُنَا فَهَدَى.

(مَنْ وَفَّقَهُ) أَيْ أَرَادَ تَوْفِيقَهُ لِلْإِيمَانِ إذْ الْمُوَفَّقُ بِالْفِعْلِ مُؤْمِنٌ، وَحَقِيقَةُ التَّوْفِيقِ فِي اللُّغَةِ التَّأْلِيفُ وَجَعْلُ الْأَشْيَاءِ مُتَوَافِقَةً وَشَرْعًا.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: خَلَقَ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالدَّاعِيَةَ إلَيْهَا فِي الْعَبْدِ، وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: خَلَقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَافِرِ أَنَّهُ مُوَفَّقٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْعَرْضَ الْمُقَارِنَ لِفِعْلِ الطَّاعَةِ لَا سَلَامَةَ الْآلَاتِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْأَوَّلَ، فَزَادَ قَيْدَ الدَّاعِيَةِ لِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْقُدْرَةُ عَلَى الطَّاعَةِ تُخْلَقُ قَبْلَهَا أَوْ مُقَارِنَةً لَهَا؟ فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ تُخْلَقُ قَبْلَهَا فَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ قَيْدِ الدَّاعِيَةِ، وَالْأَشْعَرِيُّ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ تُخْلَقُ مُقَارِنَةً لَهَا فَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ غَيْرُ مُوَفَّقَيْنِ لِعَدَمِ حُصُولِهَا مِنْهُمَا وَصِلَةُ فَهَدَى.

(بِفَضْلِهِ) أَيْ بِمَحْضِ عَطَائِهِ وَامْتِنَانِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ لِخَلْقِهِ لِإِصْلَاحٍ وَلَا أَصْلَحَ.

(وَأَضَلَّ) بِمَعْنَى خَلَقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْقُدْرَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ فِي قَلْبِ (مَنْ خَذَلَهُ) أَيْ أَرَادَ خِذْلَانَهُ أَيْ عَدَمَ إيمَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>