للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ فِي الصَّيْفِ إلَى أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ رُبُعُهُ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ لِيُدْرِكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَلِلصُّبْحِ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَدَلِيلُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «وَصَلَّى بِي الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَأَسْفَرَ» (وَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) أَيْ الطُّلُوعِ وَالْإِسْفَارِ (وَقْتٌ وَاسِعٌ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِي أَيْ جُزْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُضَيِّقًا فِي حَقِّهِ وَيَعْصَى بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ بِلَا أَدَاءً لَمْ يَعْصَ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ، وَإِذَا أَرَادَ التَّأْخِيرَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَظُنُّ الْمَوْتَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ، وَلِبَعْضٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ دَاخِلَ الْوَقْتِ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ جَمِيعِ الْوَقْتِ اخْتِيَارِيًّا التَّسَاوِي فِي الْفَضْلِ.

قَالَ: (وَأَفْضَلُ ذَلِكَ) الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ لِلصُّبْحِ (أَوَّلُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» وَخَبَرِ «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ بَلْ كُلُّ صَلَاةٍ الْأَفْضَلُ لِلْفَذِّ تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» .

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا صُبْحًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا فِي صَيْفٍ أَوْ شِتَاءٍ، وَمِثْلُ الْفَذِّ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ الَّتِي تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا حَيْثُ كَانَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَ ظُهْرٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ الْمُبَادَرَةُ جِدًّا بِحَيْثُ لَا تُؤَخَّرُ أَصْلًا فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْخَوَارِجِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَدَمُ تَأْخِيرِهَا عَمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْوَقْتِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا حَيْثُ كَانَ يُنْدَبُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَمَّا الصُّبْحُ أَوْ الْمَغْرِبُ فَيُشْرَعُ فِيهِمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخِرُ الْوَقْتِ فِي الصُّبْحِ أَفْضَلُ لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» وَدَلِيلُ مَالِكٍ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الصُّبْحَ فَتَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مُتَلَفِّفَاتٍ» وَلَفْظُ كَانَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ، وَالْغَلَسُ اخْتِلَاطُ ضِيَاءِ الصُّبْحِ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَعَلَى هَذَا وَاظَبَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَجَابُوا عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مُدْرَكَ الْفَجْرِ خَفِيٌّ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ» وَلَمْ يَقُلْ أَسْفِرُوا بِالصَّلَاةِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصُّبْحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَهِيَ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: (وَ) أَمَّا أَوَّلُ (وَقْتِ الظُّهْرِ) الْمُخْتَارُ فَهُوَ (إذَا زَالَتْ) أَيْ مَالَتْ (الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَوْ كَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَسَطُ (السَّمَاءِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ) إنْ كَانَ هُنَاكَ لِلزَّوَالِ ظِلٌّ أَوْ حَدَثَ إنْ كَانَ ذَهَبَ.

قَالَ خَلِيلٌ: الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ بِأَنْ يُنْصَبَ عُودٌ مُسْتَقِيمٌ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَإِذَا تَنَاهَى الظِّلُّ فِي النُّقْصَانِ أَوْ ذَهَبَ جُمْلَةً ثُمَّ شَرَعَ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَهَابِهِ فَهَذَا هُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ يَظْهَرُ لِكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ فِي جَانِبِ الْمَغْرِبِ وَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ يَنْقُصُ، وَإِذَا وَصَلَتْ وَسَطَ السَّمَاءِ وَهِيَ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ وَقَفَ عَنْ النُّقْصَانِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ الزَّوَالِ قَدْ يَبْقَى لِلْعُودِ ظِلٌّ قَلِيلٌ وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الظِّلِّ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَزُبَيْدٍ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَبِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَرَّةً فِي السَّنَةِ وَهُوَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِيهَا، فَإِذَا مَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ لِجَانِبِ الْمَغْرِبِ يَتَحَوَّلُ الظِّلُّ إلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ وَيَأْخُذُ فِي الزِّيَادَةِ، فَعِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ حُدُوثِهِ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ تَجِبُ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ تَفْسِيرٌ لِلزَّوَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي لَا يَزِيدُ فِيهِ الظِّلُّ وَلَا يَنْقُصُ أَوْ يُعْدَمُ أَصْلًا يُسَمَّى وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَهَذَا لَا تُصَلَّى فِيهِ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا وَتَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ، فَإِذَا مَالَتْ إلَى أَوَّلِ دَرَجَاتِ انْحِطَاطِهَا فِي الْغُرُوبِ يَمِيلُ الظِّلُّ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَا يُعْرَفُ لِلنَّاظِرِ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ الظِّلِّ أَوْ شُرُوعِ الظِّلِّ فِي الزِّيَادَةِ فَلَا تُصَلَّى الظُّهْرُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَأْتِي فِي حَالِ اشْتِغَالِ الْمُكَلَّفِ فِي أَمْرِ مَعَاشِهِ نَدَبَ الشَّارِعُ لَهُ تَأْخِيرَهَا وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ (فِي الصَّيْفِ) وَكَذَا فِي الشِّتَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِغَالُ فِي وَقْتِهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ حَتَّى فِي الشِّتَاءِ وَيَنْتَهِي التَّأْخِيرُ. (إلَى أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ رُبْعُهُ) وَتُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ (بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>