للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لَهُ وَقِيلَ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَآخِرُ الْوَقْتِ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ.

وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَآخِرُهُ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ إذْ اسْتَقْبَلْت

ــ

[الفواكه الدواني]

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، بَلْ حَتَّى الْمُنْفَرِدُ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِلظُّهْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) أَيْ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى رُبْعِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ (فِي) حَقِّ أَهْلِ (الْمَسَاجِدِ) وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: (لَيُدْرِكَ النَّاسُ) فَضْلَ (الصَّلَاةِ) فِي جَمَاعَةٍ (وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) وَمِثْلُهُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا (فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لَهُ) لِخَبَرِ: «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَوَسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْو اللَّهِ» وَلَوْلَا تَقْيِيدُ كَلَامِهِ بِالصَّيْفِ لَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُوَافِقًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: الْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ ظُهْرًا ثُمَّ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ لِلْجَمَاعَةِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ وَتَأْخِيرُهَا لِرُبْعِ الْقَامَةِ وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ. (وَقِيلَ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ) أَيْ لِمُرِيدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ (أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ» أَيْ لَهَبِ نَارِ «جَهَنَّمَ» وَهَذَا الْقِيلُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ نَدْبُ التَّأْخِيرِ وَلَوْ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الصَّيْفِ خَاصَّةً، الثَّانِي النَّدْبُ لِأَهْلِ الْمَسَاجِدِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ، الثَّالِثُ نَدْبُ التَّأْخِيرِ وَلَوْ لِلْمُنْفَرِدِ، وَكُلُّهَا مُخَالِفَةٌ لِخَلِيلٍ لِتَقْيِيدِهَا بِالصَّيْفِ وَشُمُولِ أَوَّلِهَا لِلْمُنْفَرِدِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَوْلُ بِاخْتِصَاصِ نَدْبِ تَأْخِيرِهَا لِرُبْعِ الْقَامَةِ بِكُلِّ جَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا وَلَوْ فِي الشِّتَاءِ، وَالْمُخْتَصُّ بِالصَّيْفِ إنَّمَا هُوَ بِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ زِيَادَةً عَلَى رُبْعِ الْقَامَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَلِلْجَمَاعَةِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ وَتَأْخِيرُهَا لِرُبْعِ الْقَامَةِ وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّأْخِيرَ لِرُبْعِ الْقَامَةِ وَلَوْ فِي الشِّتَاءِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى حَدِيثِ الْإِبْرَادِ حَدِيثُ «خَبَّابٍ: شَكَوْنَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي أَكُفِّنَا وَجِبَاهِنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكَوَانَا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا الزِّيَادَةَ فِي التَّأْخِيرِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْرَادُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ الَّتِي تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا، وَأَمَّا الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا فَهِيَ كَالْمُنْفَرِدِ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ التَّقْدِيمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ لِلظُّهْرِ، وَلَوْلَا تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ التَّأْخِيرَ بِالصَّيْفِ لَكَانَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ مُوَافِقًا لِلرَّاجِحِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ. (وَآخِرُ الْوَقْتِ) الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ) قَصِيرٍ أَوْ طَوِيلٍ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ. (مِثْلَهُ بَعْدَ) مُجَاوَزَةِ (ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ) الَّذِي أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَآخِرُهُ الْغُرُوبُ، بِخِلَافِ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَظِلُّ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِظِلِّ الزَّوَالِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ بَعْدَهُ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِقْدَارَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْهُرِ الْقِبْطِيَّةِ الَّتِي أَوَّلُهَا تُوتٌ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْدَامٍ، ثُمَّ يَلِيه بَابَهُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ، ثُمَّ يَلِيه هَاتُورُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْدَامٍ، ثُمَّ يَلِيه كِيَهْكُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْدَامٍ، ثُمَّ يَلِيه طُوبَهُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ تِسْعَةٌ، ثُمَّ يَلِيه أَمْشِيرُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ سَبْعَةٌ، ثُمَّ يَلِيه بَرَمْهَاتُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ خَمْسَةٌ، ثُمَّ يَلِيه بَرْمُودَةُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ يَلِيه بَشَنْسُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ اثْنَانِ، ثُمَّ يَلِيه بَؤُونَةُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ وَاحِدٌ، ثُمَّ يَلِيه أَبِيبُ وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ وَاحِدٌ أَيْضًا، ثُمَّ يَلِيه مِسْرَى وَظِلُّ الزَّوَالِ فِيهِ قَدَمَانِ، هَكَذَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَحْرِيرِ الدِّيرِينِيِّ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَالَ: (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) الْمُخْتَارُ هُوَ (آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهُوَ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى، فَتَكُونُ الْعَصْرُ دَاخِلَةٌ عَلَى الظُّهْرِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَّةُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى، وَأَثِمَ مُؤَخِّرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ اخْتِيَارًا إلَى أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا بِقَدْرِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: إنَّ وَقْتَ الِاشْتِرَاكِ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الظُّهْرُ دَاخِلَةً عَلَى الْعَصْرِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى، وَعَدَمُ إثْمِ مَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ الِاشْتِرَاكِ الْخِلَافُ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ «فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَى صَلَّى شَرَعَ فَتَكُونُ الظُّهْرُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْعَصْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ فَرَغَ فَتَكُونُ الْعَصْرُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الظُّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَمَنَ الِاشْتِرَاكِ اخْتِيَارِيٌّ لِلصَّلَاتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى أَوْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ. (وَآخِرُهُ) أَيْ وَقْتِ الْعَصْرِ الِاخْتِيَارِيِّ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ) مُجَاوَزَةِ الظِّلِّ (نِصْفَ النَّهَارِ) وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارَ هُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ذَكَرَ مُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ: (وَقِيلَ) فِي تَحْدِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>