وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ إيَّاهَا فِي الْجَهْرِ اخْتِلَافٌ، ثُمَّ تَقْرَأُ سُورَةً مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَإِنْ كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْقَرَافِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ مِنْ الْوَرَعِ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ بِقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ إحْدَى التَّكْبِيرَاتِ، لَكِنْ مَعَ بَعْضِ دُعَاءٍ لِتَصِيرَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةً بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَنَا رُكْنٌ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ إذَا أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ أَنَّهَا فَرْضٌ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، وَأَمَّا إذَا أَتَى بِهَا مُقَلِّدًا لَهُ أَوْ بِقَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَرِيضَةٍ وَلَا نَفْلِيَّةٍ فَلَا كَرَاهَةَ، بَلْ وَاجِبَةٌ إذَا قَلَّدَ الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ وَالتَّعَوُّذُ فِي النَّافِلَةِ فَالْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: ثُمَّ تَقْرَأُ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتِحَةٌ بِحَرَكَةِ لِسَانٍ عَلَى إمَامٍ وَفَذٍّ فَيَجِبُ تَعَلُّمُهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ائْتَمَّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَا فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالرُّكُوعِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِقِرَاءَتِهِ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ الْجُلِّ خِلَافٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ أُمِّ الْقُرْآنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» .
وَخَبَرُ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ خِدَاجٌ خِدَاجٌ قَالَهُ ثَلَاثًا» أَيْ غَيْرُ تَمَامٍ، وَهَذَا شَامِلٌ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ مَقَامَهَا.
الثَّانِي: حُكْمُ الْجَهْرِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ، وَحُكْمُ السِّرِّ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ السُّنِّيَّةِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، وَإِذَا قَرَأَ فِي مَحَلِّ السِّرِّ جَهْرًا وَفِي مَحَلِّ الْجَهْرِ سِرًّا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِي الْأُولَى بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ وَفِي الثَّانِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِنَقْصٍ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْمُخَالَفَةَ لَهُ إلَّا بَعْدَ وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَإِلَّا أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى سُنَنِهَا، وَهَلْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ لَهُ بِأَلْ كَالْفَاتِحَةِ أَوْ جُلِّهَا، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً وَإِلَّا فَلَا سُجُودَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ، وَأَمَّا لَوْ جَهَرَ فِي مَحَلِّ السِّرِّ أَوْ أَسَرَّ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ عَمْدًا فَقِيلَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَهَلْ تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ أَوَّلًا وَلَا سُجُودَ خِلَافٌ.
الثَّالِثُ: لَوْ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُسَنُّ فِيهِ الْجَهْرُ سِرًّا، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقُلْنَا لَا يَرْجِعْ فَلَوْ خَالَفَ رَجَعَ لِأَجْلِ الْجَهْرِ فَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِرُجُوعِهِ مِنْ فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي تَارِكِ الْجُلُوسِ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ يَرْجِعُ لَهُ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَا تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ وَلَوْ اسْتَقَلَّ.
(فَإِذَا) قَرَأْت أُمَّ الْقُرْآنِ وَ (قُلْت وَلَا الضَّالِّينَ فَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (آمِينَ) بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ فَاعِيلَ، وَبِالْقَصْرِ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَ، وَبِالْمَدِّ مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالنُّونُ مَفْتُوحَةً عَلَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ، وَالْمَشْهُورُ لُغَةُ وَسُنَّةُ الْمَدِّ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ فَقِيلَ: إنَّهُ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَاعِيلَ، وَقِيلَ: عَرَبِيٌّ: مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ لِطَلَبِ الْإِجَابَةِ مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَاسْمَعْ وَأَمِّنَّا خَيْبَةَ دُعَائِنَا، وَقِيلَ: إنَّهُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَتَكُونُ نُونُهُ مَبْنِيَّةً عَلَى الضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ مُنَادًى وَالتَّقْدِيرُ: يَا آمِينْ اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ، وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَمْ يَرِدْ مِنْهَا آمِينَ، وَعَلَى هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ فَقُلْ إنَّ آمِينَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ نَدْبِ التَّأْمِينِ (إنْ كُنْت وَحْدَك) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً (أَوْ خَلْفَ إمَامٍ) فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ الْجَهْرِيَّةِ إنْ سَمِعَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ (وَ) يُسْتَحَبُّ لَك أَنْ (تُخْفِيَهَا) أَيْ لَفْظَ آمِينَ؛ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَالْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ.
(وَلَا يَقُولُهَا) أَيْ لَفْظَةَ آمِينَ (الْإِمَامُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ إلَخْ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ قَوْلِهَا قَالَ: (وَفِي قَوْلِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (إيَّاهَا فِي الْجَهْرِ اخْتِلَافٌ) وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ قَالَ خَلِيلٌ: وَتَأْمِينُ فَذٍّ مُطْلَقًا وَإِمَامٍ بِسِرٍّ وَمَأْمُومٍ بِسِرٍّ أَوْ جَهْرٍ إنْ سَمِعَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِسْرَارُهُمْ بِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي سَمِعَهُ لِلْجَهْرِ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ لَفْظُ وَلَا الضَّالِّينَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَبْلَهَا لَا إنْ لَمْ يَسْمَعْ آخِرَهَا وَإِنْ سَمِعَ مَا قَبْلَهُ.
(ثُمَّ) بَعْدَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ (تَقْرَأُ) بَعْدَهَا عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ آيَةً قَصِيرَةً كَذَوَاتَا أَفْنَانٍ أَوْ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: ٦٤] أَوْ بَعْضَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ كَآيَةِ الدَّيْنِ، وَالْأَفْضَلُ (سُورَةٌ) كَامِلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ (مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ) الَّذِي أَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَمُنْتَهَاهُ النَّازِعَاتُ، وَمِنْ عَبَسَ إلَى الضُّحَى وَسَطٌ، وَمِنْ الضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارٌ، فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ السُّورَةِ إذْ كَمَالُهَا مُسْتَحَبٌّ، وَيُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقْرَأُ أَنَّ السُّورَةَ مُؤَخَّرَةٌ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ قِيلَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ السُّنِّيَّةِ فَلَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ أَعَادَهَا إلَّا أَنْ يَرْكَعَ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَكَإِسْقَاطِهَا فَتَفُوتُ وَيَسْجُدُ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِذَا أَعَادَهَا فَإِنَّهُ