للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَسَنٌ بِقَدْرِ التَّغْلِيسِ وَتَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهَا

فَإِذَا تَمَّتْ السُّورَةُ كَبَّرْتَ فِي انْحِطَاطِكَ لِلرُّكُوعِ فَتُمَكِّنُ يَدَيْكَ مِنْ رُكْبَتَيْكَ وَتُسَوِّي ظَهْرَكَ مُسْتَوِيًا وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَكَ وَلَا تُطَأْطِئُهُ وَتُجَافِي بَضْعَيْكَ عَنْ جَنْبَيْكَ وَتَعْتَقِدُ الْخُضُوعَ بِذَلِكَ بِرُكُوعِكَ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لَا؟ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَأَعَادَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ.

وَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: سُورَةً أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ سُورَةً ثَانِيَةً إذَا طَوَّلَ إمَامُهُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ: مِنْ طِوَالٍ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: رَوَيْنَاهُ طِوَالٌ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ طُوَلٌ بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ جَمْع طُولَى كَأُولَى وَأُوَلٌ وَأُخْرَى وَأُخَرٌ وَقُرْبَى وَقُرَبٌ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «السَّبْعُ الطُّوَالُ» وَهُوَ جَمْعُ طَوِيلٍ كَقَصِيرٍ وَقِصَارٍ.

قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الطُّوَلُ بِضَمِّ الطَّاءِ الطَّوِيلُ يُقَالُ فِيهِ طَوِيلٌ وَطُوَلٌ فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الطُّولِ قِيلَ طَوَّالٌ مُشَدَّدًا، وَالطِّوَالُ بِالْكَسْرِ جَمْعُ طَوِيلٍ، وَأَمَّا الطَّوَالُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ، يُقَالُ: لَا أُكَلِّمُهُ طُوَالَ الدَّهْرِ وَطُولَ الدَّهْرِ، أَيْ لَا أُكَلِّمُهُ أَبَدًا، فَطُوَالُ وَطُولُ الدَّهْرِ بِمَعْنًى.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ: لِأَنَّهُ جَمْعُ طُولَى، قَدْ يُقَالُ إنَّهُ جَمْعُ طَوِيلٍ فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ طُولٌ، قُلْت: لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ طِوَالٌ جَمْعُ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي وَصْفِ الْمُؤَنَّثِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَصْفُ السُّوَرِ، وَوَصْفُ الْمُؤَنَّثِ طُولَى وَجَمْعُهَا طُوَلٌ وَطِوَالٌ جَمْعُ طَوِيلٍ وَصْفُ الْمُذَكَّرِ، فَكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي مَحَلِّهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْأُجْهُورِيِّ كَالْمُصَنِّفِ طِوَالُ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلِ.

(وَإِنْ كَانَتْ) السُّورَةُ الَّتِي تَقْرَؤُهَا فِي الصُّبْحِ (أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ تَقْرَأَ سُورَةً قَرِيبَةً مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (بِقَدْرِ) زَمَانِ (التَّغْلِيسِ) بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ إسْفَارٌ، وَالتَّغْلِيسُ اخْتِلَاطُ الظُّلْمَةِ بِالضِّيَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي كِتَابِ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: صَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ التَّطْوِيلُ فِي الصُّبْحِ لِإِدْرَاكِ النَّاسِ جَمَاعَتَهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا التَّطْوِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ إمَامٍ لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ، أَوْ شَخْصٌ مُنْفَرِدٌ يَقْوَى عَلَى التَّطْوِيلِ، وَإِمَّا مُنْفَرِدٌ لَا يَقْوَى عَلَى التَّطْوِيلِ، أَوْ إمَامُ قَوْمٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ عَدَمُ التَّطْوِيلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ أَيْ إمَامًا لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» .

(وَ) يُسَنُّ أَنْ (نَجْهَرَ بِقِرَاءَتِهَا) كَمَا يُسَنُّ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ.

(فَإِذَا تَمَّتْ السُّورَةُ) الْمُرَادُ مَا قَرَأْته بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ (كَبَّرْت) اسْتِنَانًا (فِي) حَالِ (انْحِطَاطِك لِلرُّكُوعِ) .

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ فَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: طَلَبُ التَّكْبِيرِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ وَمُقَارَنَتُهُ لِلشُّرُوعِ فِيهِ وَالرُّكُوعُ، أَمَّا التَّكْبِيرُ فَسُنَّةٌ لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ كُلُّ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ خَلَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً غَيْرَ تَكْبِيرِ الْعِيدِ سَهْوًا لَا يَسْجُدُ، وَإِنْ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ سُنَّةٍ وَلَوْ جَمِيعَهُ يَسْجُدُ، فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَطَالَ فَيَفْتَرِقُ الْقَوْلَانِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَمِيع سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، وَعَلَى الْآخَرِ تَبْطُلُ بِتَرْكِ السُّجُودِ، لِثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَبِتَرْكِ قَبْلِي عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ، وَأَمَّا مُقَارَنَتُهُ لِأَفْعَالِهَا فَمُسْتَحَبَّةٌ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الرُّكُوعُ فَفَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا} [الحج: ٧٧] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» وَالرُّكُوعُ لُغَةً انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَشَرْعًا فَأَقَلُّهُ الَّذِي لَا يُسَمَّى رُكُوعًا إلَّا بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: انْحِنَاءٌ مَعَ وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى آخِرِ فَخِذَيْهِ بِحَيْثُ تَقْرُبُ بَطْنَا كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، فَلَوْ قَصُرَتَا لَمْ يَزِدْ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ. وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا وَضَعَ الْأُخْرَى عَلَى رُكْبَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَقْرُبْ رَاحَتَاهُ مِنْ رُكْبَتَيْهِ لَمْ يَكُنْ رُكُوعًا، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ سَدَّ لَهُمَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلِلْوَضْعِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَشَارَ لِأَفْضَلِهَا بِقَوْلِهِ: (فَتُمَكِّنُ يَدَيْك) أَيْ كَفَّيْكَ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُمَا فِي حَالِ رُكُوعِك (مِنْ رُكْبَتَيْك) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَتُسَوِّي ظَهْرَكَ) حَالَ كَوْنِكَ (مُسْتَوِيًا) أَيْ مُعْتَدِلًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «أَنَّهُ كَانَ إذَا رَكَعَ يُسَوِّي ظَهْرَهُ بِحَيْثُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَوُضِعَ الْقَدَحُ عَلَيْهِ لَا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ» . (وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك وَلَا تُطَأْطِئُهُ) بِأَنْ تُخْفِضَهُ إلَى أَسْفَلَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.

(وَ) إذَا مَكَّنْت يَدَيْك مِنْ رُكْبَتَيْك (تُجَافِي) أَيْ تَجْنَحُ وَتُبَاعِدُ مُتَوَسِّطًا (بَضْعَيْك) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (عَنْ جَنْبَيْك) فَأَطْلَقَ الْمُجَافَاةَ وَأَرَادَ بِهَا التَّجَنُّحَ الْمُتَوَسِّطَ كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهَا الِانْضِمَامُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ وَنَدْبُ تَمْكِينِهِمَا مِنْهُمَا وَنَصْبُهُمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ وَضْعً الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ لَمْ يَضَعْهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَالَ رُكُوعِهِ بَلْ سَدَّ لَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَسْوِيَةِ الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا يُبَالِغُ فِي الِانْحِنَاءِ فَيَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَصْبُهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>