مُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَعَلَى أَنْبِيَائِكَ
ــ
[الفواكه الدواني]
مَا أَحَبَّ» وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَالْمَطْلُوبُ تَقْصِيرُهُ وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءٌ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيَتَشَهَّدُ فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى، إلَى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَشَارَ إلَى مَا يَزِيدُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَشَيْءٍ مِنْ السُّنَّةِ وَشَيْءٍ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، إشَارَةً إلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: (وَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ إذْ الْحَقُّ هُوَ الْحُكْمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ يُطْلَقُ عَلَى الْأَقْوَالِ وَالْعَقَائِدِ وَالْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ وَيُقَابِلُهُ الْبَاطِلُ، وَأَمَّا الصِّدْقُ فَقَدْ شَاعَ فِي الْأَقْوَالِ خَاصَّةً وَيُقَابِلُهُ الْكَذِبُ وَحَقِيقَتُهُ مُطَابَقَةُ حُكْمِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ (وَأَنَّ الْجَنَّةَ) وَهِيَ دَارُ الثَّوَابِ (حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ) وَهِيَ دَارُ الْعَذَابِ (حَقٌّ) وَأَنَّهُمَا مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ. (وَأَنَّ السَّاعَةَ) وَهِيَ الْقِيَامَةُ وَانْقِرَاضُ الدُّنْيَا (آتِيَةٌ) أَيْ جَائِيَةٌ (لَا رَيْبَ فِيهَا) الْخَبَرُ هُنَا مَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ لَا تَرْتَابُوا فِيهَا أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ، وَنَزَلَ رَيْبُ الْمُرْتَابِينَ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ لَمَّا أَنَّ مَعَهُمْ مِنْ الْأَدِلَّةِ إنْ نَظَرُوا فِيهِ لَمْ يَرْتَابُوا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَا رَيْبَ فِيهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ.
(وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ) أَيْ يُحْيِي (مَنْ فِي الْقُبُورِ) وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَاتِ، فَذِكْرُ الْقُبُورِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُمَرَ: ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَمَجِيءِ الْقِيَامَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِدُخُولِهَا فِيمَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعَادَهَا اهْتِمَامًا بِهَا. (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّ تِلْمِيذِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَتَشْنِيعِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وُهِمَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَهْمًا قَبِيحًا خَفِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ فَزَادَ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَمِمَّا رَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُؤَلِّفَ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحَّ عِنْدَهُ، وَمِمَّا رُدَّ بِهِ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ بِمَعْنَى ارْحَمْهُ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَأَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ وَعَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَلِّي فِي التَّحِيَّاتِ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ صَلَوَاتِهِ وَأَمَرَ بِهِ كُلَّ مُصَلٍّ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِدِ وَانْتَهَرَهُ النَّاسُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ حَجَرْت، فَأَقَرَّهُ عَلَى مَا قَالَ مِنْ دُعَائِهِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكِرٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ إقْرَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْجَوَازِ إذَا كَانَ الَّذِي أَقَرَّهُ مُسْلِمًا كَوَاقِعَةِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ إذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ ذِكْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً رَحْمَةُ اللَّهِ، هَكَذَا قَالَ بَعْضٌ وَلِي فِيهِ وَقْفَةٌ مَعَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ (وَ) ارْحَمْ (آلَ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ) أَيْ وَانْشُرْ رَحْمَتَك (عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت) الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَرَحِمْت) تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا لِلِاعْتِنَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَبَارَكْت) أَيْ نَشَرْت رَحْمَتَك (عَلَى إبْرَاهِيمَ) تُنَازِعُهُ الْعَوَامِلُ الثَّلَاثَةُ، وَلَفْظُ إبْرَاهِيمَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ أَبٌ رَحِيمٌ. (وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ) بِمَعْنَى مَحْمُودٍ (مَجِيدٌ) بِمَعْنَى كَرِيمٍ أَوْ شَرِيفٍ، وَقِيلَ وَاسِعُ الْكَرْمِ وَالْجَمِيعُ فِيهِ سُبْحَانَهُ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الصَّلَاةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هِيَ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَقِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَضِيلَةٌ وَمَحَلُّهَا كَمَا قَدَّمْنَا فِي تَشَهُّدِ السَّلَامِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.
(تَتِمَّةٌ) إنْ قِيلَ: كَيْفَ يُشَبِّهُ الصَّلَاةَ عَلَى أَفْضَلِ الْخَلْقِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ مَفْضُولٌ بِقَوْلِهِ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ تَشْبِيهُ الضَّعِيفِ بِالْقَوِيِّ أَوْ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ عَكْسُ مَا هُنَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا شَبَّهَ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِشَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: شَبَّهَ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ تَوَاضُعًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي حَدِيثِ: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» وَقِيلَ: الْوَقْفُ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ آلِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ، أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ طَلَبُ زِيَادَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ أَوْ شَبَّهَ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ لِأَجْلِ مَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ وَهِيَ: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: ٧٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute