للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى أَهْلِ طَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِأَئِمَّتِنَا وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ مَغْفِرَةً عَزْمًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَكَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَسُوءِ الْمَصِيرِ السَّلَامُ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَإِنَّمَا خُصَّ إبْرَاهِيمُ بِالذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ كُلُّ نَبِيٍّ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَاحِدٌ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرُ إبْرَاهِيمَ، فَأَمَرَنَا مَعَاشِرَ الْأُمَّةِ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً لِإِحْسَانِهِ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ أَهْلِهِ فَبَكَى وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالُوا: آمِينَ، فَقَالَ إسْمَاعِيلُ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ قَالَتْ سَارَةُ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ نِسَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ قَالَتْ هَاجَرُ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي وَالْمُوَالِيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ، لَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ قَابَلْنَاهُمْ فِي الصَّلَاةِ مُجَازَاةً عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ نُصَلِّ نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ فَأَمَرَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ نَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَشْرَفِ خَلْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَعَ الصَّلَاةُ مِنْ كَامِلٍ عَلَى كَامِلٍ.

(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك) جَمْعُ مَلَكٍ (وَ) صَلِّ عَلَى عِبَادِك (الْمُقَرَّبِينَ) كَذَا رُوِيَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَتَكُونُ شَامِلَةً لِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ.

وَرُوِيَ بِحَذْفِ الْوَاوِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ خَاصَّةً بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ تَشْرِيفًا لَهُمْ. (عَلَى أَنْبِيَائِك وَالْمُرْسَلِينَ) رُوِيَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. (وَعَلَى أَهْلِ طَاعَتِك أَجْمَعِينَ) الْمُرَادُ بِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانُوا عُصَاةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُوا مِنْ طَاعَةٍ. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) أَيْ اُسْتُرْ ذُنُوبِي (وَ) اغْفِرْ (لِوَالِدَيَّ) يُرِيدُ الْمُؤْمِنِينَ يَصِحُّ بِفَتْحِ الدَّالِ فَيَكُونُ مُثَنًّى، وَيُحْتَمَلُ بِكَسْرِهَا فَيَكُونُ جَمْعًا قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَفِي كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِمَّنْ أَرَادَ قَبُولَ دُعَائِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَالِدَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ بِمُعَلِّمِهِ قَبْلَ أَبَوَيْهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمُعَلِّمَ تَسَبَّبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى شَرَفِ الْوَالِدَيْنِ.

(وَ) اغْفِرْ اللَّهُمَّ (لِأَئِمَّتِنَا) وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَ) اغْفِرْ (لِمَنْ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَمَّا عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ دَخَلُوا فِي أَهْلِ الطَّاعَةِ. (مَغْفِرَةً عَزْمًا) أَيْ عَاجِلَةً وَقِيلَ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ الْعَزْمُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي إنْ شِئْت لِإِيهَامِهِ الِاسْتِغْنَاءَ. (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِمَّا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ فَلَا تَرُدَّ الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ. (وَأَعُوذُ بِك) أَيْ أَتَحَصَّنُ بِك يَا اللَّهُ (مِنْ كُلِّ شَرٍّ اسْتَعَاذَك) أَيْ اسْتَعَاذَ بِك (مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ

وَالدُّعَاءُ بِهِ مَنْدُوبٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الدُّعَاءِ، وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الدُّعَاءَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا، وَأَخَذَ يُكْثِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ اللَّهُمَّ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: وَيُكْرَهُ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ وَالدُّعَاءُ بِالْمُحَالِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَرُدُّ الدُّعَاءُ مِنْ الْقَدْرِ شَيْئًا أَوْ لَا يَرُدُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؟ قَالَ الشَّاذِلِيُّ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ يَرُدُّ الْقَدْرَ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» .

وَرَوَى الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الدُّعَاءِ فِي الرَّخَاءِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مَرْفُوعًا: «وَأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ» وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ: «إنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ يَتَصَارَعَانِ وَيَتَدَافَعَانِ

(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الذُّنُوبِ (وَمَا أَخَّرْنَا) مِنْ الطَّاعَاتِ عَنْ أَوْقَاتِهَا. (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَسْرَرْنَا) وَهُوَ مَا أَخْفَيْنَاهُ مِنْ الْمَعَاصِي (وَمَا أَعْلَنَّا) أَيْ أَظْهَرْنَاهُ مِنْ الْمَعَاصِي.

(وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا) وَهُوَ مَا أَقَرَفْنَاهُ عَمْدًا أَوْ نَسِينَاهُ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ حَالَ النِّسْيَانِ لَا إثْمَ فِيهِ لِخَبَرِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَفْعَلْ» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى مَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَمِنْ الدُّعَاءِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] قِيلَ الْعِلْمُ، وَقِيلَ الْمَالُ الْحَلَالُ، وَقِيلَ الزَّوْجَةُ الْحَسَنَةُ، وَقِيلَ الْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا.

{وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] وَهِيَ الْعَاقِبَةُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ الْمَغْفِرَةُ {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: ٢٠١] أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْفَاكِهَانِيُّ: عَذَابُ النَّارِ الْمَرْأَةُ السُّوءِ فِي الدُّنْيَا، وَمَعَ الْأَدْعِيَةِ بِمَا فِي السُّنَّةِ: (وَأَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا) قِيلَ الْكُفْرُ، وَقِيلَ الْعِصْيَانُ، وَقِيلَ الْمَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>