للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجْهَرُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا سِرًّا، وَيَتَشَهَّدُ فِي الْجَلْسَةِ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَقُومُ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى

ــ

[الفواكه الدواني]

أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ بِخِلَافِ الرَّغِيبَةِ، وَكُلٌّ مِنْ السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ (يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (وَيُسِرُّهَا) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ سِرًّا لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ فِيهِمَا حَتَّى أَقُولَ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟» رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَدَلِيلُ هَذَا أَظْهَرُ مِنْ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ هَذَا نَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةً بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ دَلِيلُهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَقُولُ: يَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْإِسْرَاعُ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ أَنَّهُ مِمَّا جَرَّبَ لِدَفْعِ الْمَكَارِهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " بِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَك " وَ " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ".

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ وَسَائِلِ الْحَاجَاتِ وَآدَابِ الْمُنَاجَاةِ: وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّالِحِينَ وَأَرْبَابِ الْقُلُوبِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِ " أَلَمْ نَشْرَحْ " وَ " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ " قَصُرَتْ عَنْهُ كُلُّ يَدٍ عَادِيَةٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَيْهِ سَبِيلًا.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ اهـ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفِيلِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيِّ.

(خَاتِمَةٌ) تَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، مِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهُمَا بِبَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُعِيدُهُمَا وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةً بَعْدَ الْفَجْرِ، وَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصُّبْحُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ صَلَاتِهِمَا يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَقْضِيهِمَا بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ وَلَا يَفْعَلُهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطَوِّلُ بِحَيْثُ يُحْرِمُ مَعَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِخَبَرِ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لَفِعْلِهِمَا، بِخِلَافِ الْوِتْرِ تُقَامُ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْرُجُ لِيَرْكَعَهَا حَيْثُ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامُ إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاتِهِ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِالصُّبْحِ وَلَا يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ بِخِلَافِ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ حَتَّى يَفْعَلَهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوِتْرِ أَنَّ الْفَجْرَ يُقْضَى بَعْدَ الصُّبْحِ بِخِلَافِ الْوِتْرِ، وَمِنْهَا: لَوْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ فِعْلِهِمَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُمَا خَارِجَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ، وَمِنْهَا: لَوْ نَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ صَلَّاهُمَا بَعْدَ حَلِّ النَّافِلَةِ، هَذَا مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُصَلِّي الصُّبْحَ خَاصَّةً ثُمَّ يُصَلِّي الْفَجْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ يُصَلِّي الْفَجْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُصَلِّيهِمَا مَعَ الصُّبْحِ قَائِلًا: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُنَّ يَوْمَ الْوَادِي، وَقَالَ أَشْهَبُ: بَلَغَنِي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ جَرَى خِلَافٌ فِي قَضَائِهِمَا يَوْمَ الْوَادِي، وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَضَاهُمَا فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى شَيْئًا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَقْضِي غَيْرَ فَرْضٍ إلَّا هِيَ فَلِلزَّوَالِ، وَمِثْلُ مَنْ نَامَ عَنْهُمَا مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ نَاسِيًا لَهُمَا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ (الْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ مِنْ) جِهَةِ (الطِّوَالِ) بِنَاءً عَلَى تُسَاوِيهِمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ (أَوْ) أَيْ وَقِيلَ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ (دُونَ ذَلِكَ) الْمَقْرُوءِ فِي الصُّبْحِ (قَلِيلًا) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ صُبْحٍ وَالظُّهْرُ تَلِيهَا أَيْ تَقْرُبُ مِنْهَا فِي الطُّولِ، فَإِنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ مَثَلًا فِي الصُّبْحِ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْجُمُعَةِ وَالصَّفِّ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ التَّطْوِيلَ لَا الْإِمَامُ لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ أَوْ غَيْرِ مَحْصُورِينَ لَا يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ فَيُكْرَهُ لِخَبَرِ: «مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ» .

(وَلَا يُجْهَرُ فِيهَا) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يُجْهَرَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ (بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ) لَا فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَ) إنَّمَا (يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهَا (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا وَ) كَذَا يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا سِرًّا) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْإِسْرَارَ فِي الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا سُنَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَمِثْلُهَا السُّورَةُ إلَّا أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَسُنَّةٌ خَفِيفَةٌ فِي السُّورَةِ، فَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>