وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَسَلَّمَ أَمْ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ
وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي السَّهْوِ فَلْيَلْهَ عَنْهُ، وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَطَرْحِهِ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعَةُ فَيَأْتِي بِهَا، فَقَوْلُهُ: (وَأَتَى بِرَابِعَةٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ (وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ) وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ يَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ نَدْبًا، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا قَابَلَ الْيَقِينَ فَيَشْمَلُ الْوَهْمَ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ يَقِينًا فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِأَمْرٍ مُتَيَقَّنٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الشَّاكَّ فِيمَا صَلَّى يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ.
قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: وَبِهِ أَقُولُ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّلَامُ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَإِنَّمَا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ فَتَصِيرُ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَتَنْقُصُ السُّورَةُ وَالْجُلُوسُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا وَقَعَ فِي التَّوَالِي هَلْ هُوَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ؟ تُحَقَّقُ سَلَامَةُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ النَّقْصِ بِأَنْ تُحَقَّقَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِيهِمَا وَالْجُلُوسُ بَعْدَهُمَا، وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِانْقِلَابِ الرَّكَعَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ، أَوْ حَصَلَ شَكٌّ مُرَكَّبٌ بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مَا صَلَّاهُ أَرْبَعٌ أَوْ ثَلَاثٌ هَلْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ يُرَاعَى وَلَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ تَفْسِيرٌ لِمَا شَكَّ فِيهِ، عَلِمْت أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ الثَّالِثَةُ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ ثُمَّ قَالَ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ فَهِيَ رَابِعَةٌ فِي اللَّفْظِ خَامِسَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ مِنْ زِيَادَةِ النَّاسِخِ، وَبَعْضٌ بِأَنَّهُ مَحْضُ تَكْرَارٍ، وَأَجَابَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَعُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا الشَّكَّ بِمَا قَابَلَ الْيَقِينَ دَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي كَلَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: بَنَى عَلَى الْيَقِينِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الظَّنِّ، ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا ظَنَّ فِعْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَدَافُعٌ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدَ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ مَا قَابَلَ الْيَقِينَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الظَّنُّ.
(وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا) عَنْ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ (سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ سَاهِيًا عَنْ الْمُعْتَمَدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِكَلَامِهِ، وَلَوْ قَلَّ أَوْ وَجَبَ كَالْكَلَامِ لَإِنْقَاذِ أَعْمَى، أَوْ لِإِجَابَةِ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ، إلَّا مَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ كَثِيرًا وَلَوْ تَوَقَّفَ الْإِصْلَاحُ عَلَيْهِ، وَمِثَالُ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُعْتَقِدًا كَمَالَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ كَمُلَتْ أَمْ لَا؟ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّسْبِيحُ فَسَأَلَ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ كَمَّلَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ وَلَا سُجُودَ فِي هَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَإِنْ سَجَدَ لِزِيَادَةِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَنَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ؟ «فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَالْتَفَتَ فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ» .
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ ثُمَّ قَالَ. لَا يُقَالُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ، لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَقِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ بِمَكَّةَ أَيْضًا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَتَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ أَيْضًا بِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إسْلَامًا، وَقَوْلُنَا يُسَلِّمُ مُعْتَقِدًا لِلْإِتْمَامِ، وَشَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ السَّلَامُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى يَقِينِهِ، فَلَوْ سَلَّمَ أَوْ سَأَلَ فِي حَالِ شَكِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ عُرِضَ لَهُ الشَّكُّ بَعْدَ سَلَامِهِ مَعَ اعْتِقَادِ كَمَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ بِالْكَلَامِ وَلَا السَّلَامِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا الْإِمَامَ يُسَلِّمُ عَلَى يَقِينٍ، ثُمَّ يَحْصُلُ لَهُ الشَّكُّ مِنْ كَلَامِ الْمَأْمُومِينَ فَيَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ بِالْكَلَامِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِإِشَارَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ.
١ -
فَرْعٌ: مَنْ قَالَ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ السَّلَامُ فَقَطْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، الْبُرْزُلِيُّ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ أَيْ وَيَسْجُدُ، وَسَمِعْت فِي الْمُذَكِّرَاتِ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَا إحْرَامَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى
(وَمَنْ لَمْ يَدْرِ) بَعْدَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ (سَلَّمَ أَمْ لَمْ يُسَلِّمْ) وَتَفَكَّرَ قَلِيلًا (سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ يَسْهُ، وَتَفَكَّرَ قَلِيلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ سَهْوِهِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ السُّجُودِ حَيْثُ كَانَ قَرِيبًا، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا سَجَدَ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ تَفَكُّرِهِ بِأَنْ تَوَسَّطَ، وَمِثْلُهُ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ بَنَى بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَّمَ