أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ يَشُكُّ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَلَا يُوقِنُ فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَطْ
وَإِذَا أَيْقَنَ بِالسَّهْوِ سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا أَصْلَحَ صَلَاتَهُ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْجُدْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ سَلَامَهُ إمَّا وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَسْجُدُ لَهُ،
وَلَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مُحْتَرَزُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ) أَيْ كَثُرَ (الشَّكُّ فِي السَّهْوِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلْيَلْهَ عَنْهُ) أَيْ يُعْرِضْ عَنْهُ وُجُوبًا (وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَدَاؤُهُ كَالنَّفَسِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَمُخَالَفَتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ يُصْلِحُ وَيَسْجُدُ، فَلَوْ بَنَى الْمُسْتَنْكَحُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَمْ يَلْهَ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ عَامِدًا كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمُسْتَنْكَحِ تَخْفِيفًا عَنْهُ فَإِذَا أَصْلَحَ فَعَلَ الْأَصْلَ، وَلَا يُقَالُ: الشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنْ عُمُومِهِ الْمُسْتَنْكَحَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ، خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمُوَسْوِسَ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ، فَإِنْ سَبَقَ لَهُ خَاطِرٌ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَمَّتْ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ إنَّهَا لَمْ تَتِمَّ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَنَّهَا تَمَّتْ، وَعَكْسُهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَالْمُدَوَّنَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَنْكَحَ لَمْ يَنْضَبِطْ لَهُ خَاطِرٌ أَوَّلٌ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ الْوِجْدَانُ، إذَا الشَّاكُّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ إصْلَاحِ الْمُسْتَنْكَحِ عَدَمُ سُجُودِهِ قَالَ: (وَلَكِنْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحِ (أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ) اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: فَلْيَلْهَ الْهَاءُ مِنْهُ مَفْتُوحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعُ لَهَى كَعَلِمَ وَخَشِيَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْجَازِمُ حُذِفَتْ أَلِفُهُ وَبَقِيَتْ الْفَتْحَةُ دَلِيلًا عَلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُعْتَلَّةِ تَبْقَى حَرَكَةُ مَا قَبْلَ حَرْفِ الْعِلَّةِ بَعْدَ حَذْفِهِ، وَمَعْنَى الْإِلْهَاءِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ بِحَيْثُ يَأْتِي بِمَا شَكَّ فِي عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ، ثُمَّ فَسَّرَ حَقِيقَةَ الْمُسْتَنْكَحِ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحُ (الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ) أَيْ الشَّكُّ (مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحِ، وَذَلِكَ بِأَنْ (يَشُكَّ كَثِيرًا) أَيْ زَمَنًا كَثِيرًا (أَنْ يَكُونَ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا يُوقِنُ) بِشَيْءٍ يَبْنِي عَلَيْهِ هَذَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِنْكَاحِ، وَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْكَثْرَةَ بِأَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ وَفِي كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَظَهَرَ لِي أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مَا جَرَى فِي مَسْأَلَةِ السَّلَسِ، فَإِذَا زَادَ مِنْ إتْيَانِهِ عَلَى زَمَنِ عَدَمِ إتْيَانِهِ أَوْ تَسَاوَيَا فَهُوَ مُسْتَنْكَحٌ، وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ إتْيَانِهِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِزَمَنِ إتْيَانِهِ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ، بَلْ الْمُرَادُ الْأَيَّامُ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا وَلَوْ مَرَّةً فَقَطْ، فَإِذَا أَتَاهُ يَوْمًا وَانْقَطَعَ يَوْمًا وَهَكَذَا أَوْ أَتَاهُ يَوْمَيْنِ وَيَنْقَطِعُ الثَّالِثَ وَهَكَذَا كَانَ مُسْتَنْكَحًا، وَأَمَّا لَوْ أَتَاهُ يَوْمًا وَانْقَطَعَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، بَلْ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ أَيْ الشَّرِيعَةُ السَّهْلَةُ أَنَّ الِاسْتِنْكَاحَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي الشَّكِّ فِي الْوُضُوءِ، وَفِي الصَّلَاةِ مَا تَشُقُّ مَعَهُ الصَّلَاةُ،؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَفَّقُ شَكُّ الْوُضُوءِ إلَى الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: (فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَطْ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يُوقِنُ تَكْرَارٌ فِي الْمَعْنَى مَعَ قَوْلِهِ يَشُكُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَشُكُّ لَا يُوقِنُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ وَالْوَاجِبُ عَكْسُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْهَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَوَّرَ، وَأَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصْوِيرِ لِلْغَيْرِ لَا عَلَى التَّصَوُّرِ، وَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى التَّصْدِيقِ هُوَ التَّصَوُّرُ لَا التَّصْوِيرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ مُتَصَوِّرًا لِلْمُسْتَنْكَحِ قَبْلَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَلْهَى عَنْهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّاكِّ بِقِسْمَيْهِ غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ وَالْمُسْتَنْكَحِ شَرَعَ فِي السَّاهِي بِقِسْمَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا أَيْقَنَ) الْمُصَلِّي (بِالسَّهْوِ) بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ (سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ) بِالْإِتْيَانِ بِالْمَنْسِيِّ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي تَشَهُّدِهِ أَنَّهُ نَسِيَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا مِنْ أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، لِأَنَّ مَعَهُ مَحْضُ زِيَادَةٍ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً أَوْ سُجُودًا قَبْلَ السَّلَامِ إنَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ أَنَّ نَقْصَ السُّورَةِ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ لَفْظَ تَشَهُّدٍ مَعَ جُلُوسِهِ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ إحَالَةٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مَحْضَ الزِّيَادَةِ يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَغَيْرَهَا يَسْجُدُ لَهَا قَبْلَهُ. (فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ) السَّهْوُ (مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كَثُرَ (أَصْلَحَ صَلَاتَهُ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَيَقَّنَ نِسْيَانُهُ وَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهِ (وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَمَحَلُّ الْإِصْلَاحِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ، فَالْمَنْسِيُّ إنْ كَانَ سُورَةً أَتَى بِهَا مَا لَمْ يَنْحَنِ وَيَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute