للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّاسِخِينَ، وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ.

، لِمَا رَغِبْت فِيهِ مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ لِلْوِلْدَانِ، كَمَا تَعْلَمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ، لِيَسْبِقَ إلَى

ــ

[الفواكه الدواني]

بِالْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يُضْبَطْ مَذْهَبُهُ وَإِلَّا لَجَازَ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى هُدًى؛ وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا ذُكِرَ.

(مَعَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْفَصِيحِ أَيْ سَأَلْتنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مُصَاحِبَةً لِكِتَابَةِ (مَا) أَيْ الَّذِي (سَهَّلَ) أَيْ يَسَّرَ (سَبِيلَ) أَيْ طَرِيقَ (مَا أَشْكَلَ) أَيْ صَعُبَ وَعَسِرَ فَهْمُهُ (مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُخْتَصَرَةِ أَوْ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَطَرِيقَتِهِ.

ثُمَّ بَيَّنَ الْمُسَهِّلَ بِكَسْرِ الْهَاءِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ) أَيْ الثَّابِتِينَ فِي الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعَدَالَةِ.

وَكَبَعْضِ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُمْ وَضَّحُوا مَا خَفِيَ مَعْنَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.

(وَ) مِنْ (بَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ) الْمُرَادُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمْ قَيَّدُوا مَا أُطْلِقَ وَخَصَّصُوا مَا عُمِّمَ مِنْ الْآثَارِ، فَإِنَّهُمْ بَيَّنُوا خَبَرَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّ النَّهْيِ إذَا رَكَّبْنَا بِأَنْ تَقَارَبَا وَتَوَافَقَا، وَخَبَرُ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا لَا يَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، بَيَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّ النَّهْيِ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى الْكَيْلِ لَا إنْ كَانَ اشْتَرَى عَلَى وَجْهِ الْجُزَافِ.

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خُلْطَةٌ أَوْ ظِنَّةٌ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَأَضَافَ التَّفْسِيرَ لِلرَّاسِخِينَ وَالْبَيَانَ لِلْمُتَفَقِّهِينَ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ أُشْرَفُ مِنْ الْبَيَانِ مِنْ حَيْثُ صُعُوبَتِهِ لِأَنَّهُ الْكَشْفُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ، وَالْبَيَانُ هُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ إظْهَارِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ جَلِيَّةٍ، وَالْفَضْلُ وَالْمَزِيَّةُ لِكَاشِفِ الْمُرَادِ، وَإِنَّمَا قُلْت الْمُرَادُ الْفُقَهَاءُ لِأَنَّ الْمُتَفَقِّهِينَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَوَسِّطُونَ فِي الْفِقْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ هُنَا.

تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إذَا أُرِيدَ بِالرَّاسِخِينَ خُصُوصُ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَقَدَّمَ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَطَرِيقَتِهِ أَيْ قَوْلِهِ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَيْسَ لَهُمْ تَسْهِيلٌ فِي طَرِيقِ مَا أَشْكَلَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالرَّاسِخِينَ مُطْلَقُ الثَّابِتِينَ فِي الْعِلْمِ حَتَّى غَيْرِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَتْبَاعِ مَالِكٍ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى صَحَّ جَعْلُ الْإِشَارَةِ فِي ذَلِكَ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَطَرِيقَتِهِ وَلِلْجُمْلَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْمُتَفَقِّهِينَ فَيَصْلُحُ عَلَى كُلِّ تَفْسِيرٍ قِيلَ فِي الرَّاسِخِينَ.

الثَّانِي: مَا يَقَعُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ فِي بَيَانِ بَعْضِ آيَاتٍ مِمَّا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُهَا، لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهَا وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا تُشِيرُ لَهُ الْآيَةُ وَيَفْهَمُونَهُ مِنْهَا، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: لَا يَحِلُّ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ إلَّا بِشَيْءٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَبَرٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى بَيَانِ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ، شَرَعَ فِي بَيَانِ سَبَبِ سُؤَالِ مُحْرَزٍ فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَكَوْنِهِ مُخْتَصَرًا بِذِكْرِ صِلَةِ سَأَلْتنِي وَعِلَّتُهُ فَقَالَ: (لَمَّا) أَيْ لِأَجْلِ الَّذِي (رَغِبْت) بِفَتْحِ التَّاءِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِمُحْرَزٍ (فِيهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا الْمُبَيِّنَةِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ) الَّذِي سَأَلْت فِيهِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْمُخْتَصَرَةُ (الْوِلْدَانَ) الصِّغَارَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِمْ جَهَلَةُ الْمُؤْمِنِينَ تَعْلِيمًا مُشْتَمِلًا عَلَى تَدْرِيبٍ وَتَرْتِيبٍ شَيْئًا فَشَيْئًا.

(كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ) لِأَنَّ الْوِلْدَانَ أَوَّلُ مَا يَعْلَمُونَ الْحُرُوفَ لِيَتَوَصَّلُوا لِلْقُرْآنِ، فَالتَّشْبِيهُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَلَيْسَ فِي حُكْمِهِ: لِئَلَّا يُشْكِلَ بِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ تَعْلِيمِ الْحُرُوفِ كَوُجُوبِ تَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَبَعْضِ الْقُرْآنِ كَالْفَاتِحَةِ، وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ تَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَالشَّرَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا الْمُكَلَّفُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى حُكْمٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، بِخِلَافِ تَعْلِيمِ مُجَرَّدِ الْحُرُوفِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حِفْظُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسَنُّ كَآيَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَتَعَلُّمُهُ مُسْتَحَبٌّ، وَتَعَلُّمُ الْفَاتِحَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُرُوفِ، وَإِضَافَةُ الْحُرُوفِ لِلْقُرْآنِ مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ إنْ أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً، وَتَقْيِيدُ الْأَوْلَادِ بِالْمُسْلِمِينَ لِحُرْمَةِ تَعْلِيمِ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ الْقُرْآنَ زَمَنَ عِلْمِهِمْ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ شَهَادَةٌ وَلَمْ تَصِحَّ لَهُ إمَامَةٌ عَلَى مَذْهَبِ خَلِيلٍ، وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ أَوْلَادِ الظُّلْمَةِ وَلَا أَوْلَادِ كَتَبَةِ الْمُكُوسِ الْخَطَّ لِأَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمُوَصِّلُ إلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَوْلَادَ.

(لِيَسْبِقَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>