للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

بَغْدَادَ مَاتَ بِهَا لِإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ اتِّفَاقًا، وَبِالْجُمْلَةِ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى هَدْيٍ حَتَّى مَنْ هَجَرَ مَذْهَبَهُ، وَامْتِنَاعُ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِهِمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمِيعَهُمْ عَلَى خَيْرٍ مِنْ اللَّهِ وَهُدًى وَلَيْسُوا عَلَى ضَلَالٍ وَلَا بِدْعَةٍ.

(وَ) عَلَى (طَرِيقَتِهِ) الضَّمِيرُ لِمَالِكٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِطَرِيقَتِهِ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا مَذْهَبُهُ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى مُرَادِفِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِطَرِيقَتِهِ أَقْوَالُ أَصْحَابِهِ إذْ طَرِيقُ أَصْحَابِهِ طَرِيقُهُ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا أَقْوَالَهُمْ مِنْ قَوَاعِدِهِ، وَمُرَادُهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي هَذَا هُوَ الصَّوَابُ إذْ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَيَتْرُكُ قَوْلَ الْإِمَامِ لِرُجْحَانِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: اُكْتُبْ لِي جُمْلَةً لَا تَخْرُجُ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا قَوْلِ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: مُرَادُهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ مَا يُفْتَى بِهِ وَطَرِيقَتُهُ مَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ بَعْضَ أَشْيَاءَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيُفْتِي الْغَيْرَ بِخِلَافِهَا، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَكُونُ الْوَاوُ فِي وَطَرِيقَتُهُ بِمَعْنَى أَوْ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُطْلَقُ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَدَثِ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ الْمُرَادُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ الْأَحْكَامِ مُعْتَمَدَةً كَانَتْ أَوْ لَا، فَيَكُونُ مَذْهَبٌ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْمَذْهُوبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَذْهُوبٌ إلَيْهَا لَا فِيهَا، وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا بِالْفَتْوَى فَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْءِ عَلَى جُزْئِهِ الْأَعْظَمُ عَلَى حَدِّ: الْحَجُّ عَرَفَةَ.

الثَّانِي: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْأَحْكَامِ مَا مَعْنَاهُ: فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ وَيُتَّبَعُ فِيهِ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: مَذْهَبُهُ مَا يَقُولُهُ مِنْ الْحَقِّ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَسَائِرُ الْحِسَابِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ مِمَّا لَا تَقْلِيدَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْتُمْ مَا يَقُولُهُ مِنْ الْحَقِّ فِي خُصُوصِ الشَّرْعِيَّاتِ بَطَلَ ذَلِكَ بِأُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّهَا أُمُورٌ طَلَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِمَالِكٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، إنْ قُلْتُمْ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ هُوَ الْفُرُوعُ الشَّرْعِيَّةُ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنْ أَرَدْتُمْ جَمِيعَ الْفُرُوعِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ مِمَّا يَسْتَحِيلُ فِيهِ التَّقْلِيدُ لِاسْتِوَاءِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ فِيهِ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ بَعْضَ ذَلِكَ فَمَا ضَابِطُهُ؟ وَإِنْ بَيَّنْتُمْ ضَابِطَهُ لَا يَتِمُّ لِكَوْنِ الْحَدِّ لَا يَكُونُ جَامِعًا، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ الْأَسْبَابُ الْمَوْضُوعَةُ لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي نُقَلِّدُهُمْ فِيهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا نُقَلِّدُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ وَهِيَ غَيْرُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَحْكَامُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَالْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فِيهِمَا بَابَانِ مُتَبَايِنَانِ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ لَا يَكَادُ فَقِيهٌ يَسْأَلُ عَنْ حَقِيقَةِ إمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ فِيهِ يَحْسُنُ جَوَابُهُ.

فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ الْمَذَاهِبُ الَّتِي تُقَلَّدُ فِيهَا الْأَئِمَّةُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْفَرْعِيَّةُ وَالِاجْتِهَادِيَّة وَأَسْبَابُهَا وَشُرُوطُهَا وَمَوَانِعُهَا وَالْحُجَجُ الْمُثْبِتَةُ لِلْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ، فَخَرَجَتْ الْعَقْلِيَّةُ كَالْحِسَابِيَّاتِ، وَخَرَجَتْ الْأُصُولِيَّةُ بِالْفَرْعِيَّةِ، وَخَرَجَتْ الضَّرُورِيَّةُ بِالِاجْتِهَادِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُجَجِ الْمُثْبِتَةِ الْأَسْبَابَ وَالشُّرُوطَ إلَخْ مَا تَعْتَمِدُهُ الْحُكَّامُ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقَارِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ قَيْدٌ آخَرَ أَنْ لَا يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَيُقَالُ مَذْهَبُ مَالِكٍ مَثَلًا مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَشُرُوطِهَا وَمَوَانِعِهَا.

الثَّانِي: لَوْ قَلَّدَ شَخْصٌ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا مُلْتَزِمًا لَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ لِمَذْهَبٍ آخَرَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا، عَدَمُ الْجَوَازِ إنْ عَمِلَ، وَالْجَوَازُ إنْ لَمْ يَعْمَلْ.

وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّنَاتِيُّ الْجَوَازُ فَإِنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ فِي النَّوَازِلِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى صِفَةٍ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ.

الثَّانِي: مِنْ شُرُوطِ التَّقْلِيدِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ الْفَضْلَ وَلَوْ بِوُصُولِ خَبَرٍ إلَيْهِ وَلَا يُقَلِّدُهُ زَمَنًا فِي عَمَائِهِ.

الثَّالِثُ: مِنْ شُرُوطِ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ.

هَذَا مُلَخَّصُ مَا نَقَلَهُ الشَّهَابُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الزَّنَاتِيِّ، وَنَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ جَوَازَ تَقْلِيدِ الْمَذَاهِبِ وَالِانْتِقَالِ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ كُلُّ مَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَرَادَ الزَّنَاتِيُّ بِالرُّخَصِ هَذِهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا كُلَّ مَا فِيهِ سُهُولَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَيْفَ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي الْمِيَاهِ وَالْأَرْوَاثِ وَتَرْكِ الْأَلْفَاظِ فِي الْعُقُودِ مُخَالِفًا لِتَقْوَى اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

الرَّابِعُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ وَلَوْ مَيِّتًا وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَأَمَّا تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمُخْتَارُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إنْ اعْتَقَدَهُ أَفْضَلَ أَوْ مُسَاوِيًا لَا إنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولًا، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَذْهَبٍ اعْتِقَادُ أَفْضَلِيَّةِ إمَامِهِمْ.

الْخَامِسُ: حُكْمُ التَّقْلِيدِ لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْوُجُوبُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْمُقَلِّدِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَقَيَّدْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>