للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَعَادَ ذَلِكَ وَمَا يَلِيهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَهُ فَقَطْ

وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَبْتَدَأَ

ــ

[الفواكه الدواني]

(ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَيَشُكُّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ إلَّا الْمُسْتَنْكَحَ، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ عَلَى حَدٍّ سِوَى فَلَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِتَوَهُّمِ الْحَدَثِ مَعَ ظَنِّ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ ظَنَّ الْحَدَثَ أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ وَفِي عَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ فِي الرِّدَّةِ لِعَدَمِ حُصُولِهَا بِالشَّكِّ، وَفُهِمَ مِنْ إيجَابِ الْوُضُوءِ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ إيجَابُهُ فِي عَكْسِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي حُصُولِ الطَّهَارَةِ أَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا أَوْ شَكَّ فِيهِمَا، أَوْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ، وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ بَابِ أَحْرَى؟ وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةَ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُتَيَقِّنًا الطَّهَارَةَ، ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي النَّاقِضِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي فِيهَا، وَبَعْدَ تَمَامِهَا إنْ بَانَ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ يُعِدْهَا، وَإِنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ أَعَادَهَا وُجُوبًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ مُؤَثِّرٌ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ أَمَتِهِ أَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ الرَّضَاعِ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ.

قَالَهُ الْوَانْشَرِيسِيُّ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ فِي الشَّرْطِ دُونَ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مُحَقَّقَةٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَالْمَانِعُ يَطْرَأُ عَلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْمِلْكُ مِنْ الرَّقِيقِ فَلَا تَنْقَطِعُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.

الثَّانِي: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا صَلَّى شَاكًّا فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَالَ مَالِكٌ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّهَارَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمْت أَمْ لَا؟ وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: بَاطِلَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ عَلَى قَصْدِ الصِّحَّةِ.

الثَّالِثُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ إشْكَالٌ بَيَانُهُ إيهَامُ أَنَّ جُمْلَةَ وَشَكَّ فِيهِ حَالِيَّةٌ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِثُمَّ بَدَلِ الْوَاوِ، وَلِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ الشَّكَّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْيَقِينِ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْمُصَنِّفِ، وَعِبَارَةُ خَلِيلٍ خَالِيَةٌ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَلَفْظُهَا: وَيَشُكُّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى مَا يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ فِي الْمَزْجِ بِقَوْلِنَا: فِي حُصُولِ الْحَدَثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ بَعْدَ الْيَقِينِ فَتَصِيرُ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ خَلِيلٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ) نَسِيَهُ حَالَ الْوُضُوءِ، أَوْ شَكَّ فِي نِسْيَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَحًا (فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ التَّذَكُّرُ (بِالْقُرْبِ) مِنْ وُضُوئِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تَجِفَّ أَعْضَاؤُهُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ وَالْمُعْتَبَرُ آخِرُ الْأَعْضَاءِ غَسْلًا (أَعَادَ ذَلِكَ) وُجُوبًا وَمَعْنَى الْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَيَأْتِي بِهِ بِنِيَّةِ إتْمَامِ وُضُوئِهِ، وَيَفْعَلُهُ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَغْسُولًا، سَوَاءٌ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ.

(وَ) أَعَادَ (مَا يَلِيهِ) اسْتِنَانًا لِأَجَلِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ سُنَّةٌ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَيَغْسِلُهُ مَرَّةً إنْ كَانَ غَسَلَهُ أَوَّلًا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَسَلَهُ مَرَّةً بِغَسْلِهِ مَرَّتَيْنِ.

(وَ) مَفْهُومُ بِالْقُرْبِ (إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ جَفَافِ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ آخِرًا (أَعَادَهُ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ الْمَتْرُوكِ (فَقَطْ) ، وَلَا يَغْسِلُ مَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُرْبِ، وَقَيَّدْنَا هَذَا بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ فَإِنَّهُ إنْ شَكَّ فِي تَرْكِ عُضْوٍ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَلَا يَغْسِلُهُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: يُطْلَبُ مِنْ النَّاسِي أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَنْسِيَّ فَوْرًا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَفْعَلُهُ حِينَ يَذْكُرُهُ فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الذِّكْرِ حَتَّى طَالَ فَسَدَ وُضُوءُهُ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ أَوْ كَانَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الْمُتَكَرِّرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ يُعْذَرُ بِهِ فَيَفْعَلُ الْمَنْسِيَّ وَحْدَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ فَرْعُ سَحْنُونٍ الْمَشْهُورِ بَيْنَ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ: مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ وُضُوءِ أَحَدِهَا مَسَحَهُ وَأَعَادَ الْخَمْسَ، فَلَوْ أَعَادَهَا نَاسِيًا مَسَحَهُ مَسْحَةً وَأَعَادَ الْعِشَاءَ فَقَطْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ إحْدَى الْأَرْبَعِ فَقَدْ أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ الْكَامِلِ وَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ الْمَتْرُوكُ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْمَسْحِ الثَّانِي اهـ.

وَاعْتَرَضَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعْذَرْ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّ مَعَهُ نَوْعًا مِنْ التَّفْرِيطِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي جَوَابِهِ: لَا مَانِعَ مِنْ بِنَاءِ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ، وَمِثْلُ فَرْعِ سَحْنُونٍ: لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ لِلْعِشَاءِ، ثُمَّ بَعْدَ صَلَاتِهَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ وَأَعَادَ الْخَمْسَ نَاسِيًا مَسْحَ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ فَقَطْ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فُعِلَتْ مَرَّتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ قَطْعًا. قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>