للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُضُوءَ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ

وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَوُضُوءَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِالشَّيْءِ أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَلِي الْمَتْرُوكَ يُعَادُ مَعَ الْقُرْبِ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِيمَا يَلِي اللُّمْعَةَ هَلْ هُوَ بَقِيَّةُ الْعُضْوِ الْمَتْرُوكِ مِنْهُ، أَوْ الْعُضْوُ الَّذِي يَلِي الْعُضْوَ الْمَتْرُوكَ مِنْهُ اللُّمْعَةُ؟ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، فَتُغْسَلُ اللُّمْعَةُ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ، وَيُعِيدُ الْعُضْوَ الْمَوَالِيَ لِعُضْوِ اللُّمْعَةِ، وَلَا يَغْسِلُ بَقِيَّةَ مَا تَرَكَ مِنْهُ اللُّمْعَةُ، فَلَوْ نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ يَدٍ مَثَلًا، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ مِنْ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى غَسَلَهَا مِنْ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا، وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُمَا لِآخِرِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ نَسِيَهَا مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا غَسَلَ الْعُضْوَ كُلَّهُ.

(وَ) مَفْهُومُ إنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ (إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) أَيْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ (ابْتَدَأَ) وُجُوبًا (الْوُضُوءَ إنْ طَالَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنُ التَّرْكِ فَتَخَلَّصَ أَنَّ التَّارِكَ لِشَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً يَبْنِي مَا فَعَلَ مَعَ النِّسْيَانِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْعَجْزِ فَإِنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا، وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنِ اعْتَدِلْ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ مَعَ الطُّولِ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ وُجُوبِهَا مَعَ الذِّكْرِ، وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا تَجِبُ، فَلِذَا بَنَى مَعَ النِّسْيَانِ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ التَّرْكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا، وَمَفْهُومُ إنْ طَالَ إنْ لَمْ يَطُلْ لَا يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ، وَيَأْتِي بِالْمَتْرُوكِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِوُجُودِهَا، وَتُسَنُّ إعَادَةُ مَا بَعْدَهُ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، فَصَارَ الْعَمْدُ كَالنِّسْيَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ مَعَ الطُّولِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَرِيضَةَ الْمُوَالَاةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالْوُضُوءِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مُتَفَاحِشٍ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَّرَ إلَخْ، وَوَجَبَ الْأَخْذُ أَنَّهُ أَوْجَبَ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ مَعَ الْعَمْدِ فِي حَالِ الطُّولِ وَالْبِنَاءَ فِي حَالِ النِّسْيَانِ مُطْلَقًا، وَحَمَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ أَيْضًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا يُقَالُ: الْمُصَنِّفُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ فِي كَلَامِهِ الْأَصْلِ فِي الْوُجُوبِ، خِلَافًا لِسَيِّدِي أَحْمَدَ زَرُّوقٍ وَسَيِّدِي يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمَا: يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ فِي حَالِ الْعَمْدِ مَعَ الطُّولِ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ التَّهَاوُنَ بِالسُّنَنِ كَالتَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ، وَتَبِعَا فِي كَلَامِهِمَا ابْنَ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَعَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْتَدِيهِ وَلَوْ فَرَّقَهُ عَامِدًا، وَإِنَّمَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ جَمِيعِ سُنَنِ الْوُضُوءِ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُوَالَاةُ شُهِرَتْ فَرْضِيَّتُهَا فَعَظُمَ أَمْرُهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَابَلَ الْمُصَنِّفُ التَّرْكَ نِسْيَانًا الْمَفْهُومُ مَنْ ذَكَرَ بِالْمُتَعَمِّدِ، وَخَلِيلٌ قَابَلَهُ بِالْعَاجِزِ، وَأَمَّا الْأَوْلَى مِنْهُمَا مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْقُولِ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ فَأَقُولُ: الْأَوْلَى مُقَابَلَةُ النَّاسِي بِالْعَاجِزِ لِيَكُونَ نَصًّا عَلَى الْمُتَوَهَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَابَلَهُ بِالْعَامِدِ كَ الْمُصَنِّفِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعَاجِزَ كَالنَّاسِي يَبْنِي مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا قَابَلَهُ بِالْعَاجِزِ عُلِمَ بِالْأَوْلَى بِنَاءَ الْمُتَعَمَّدِ، وَلَا يُقَالُ: الْمُقَابَلَةُ بِالْعَاجِزِ تُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ سَائِرَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الْفَوْرِيَّةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَافْهَمْ، نَعَمْ أَلْحَقُوا الْمَكْرُوهَ عَلَى التَّرْكِ بِالنَّاسِي، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ بِمُطْلَقِ التَّخْوِيفِ بِالْأَمْرِ الْمُؤْلِمِ مِنْ ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ، وَصَوَّرُوا التَّفَرُّقَ بَيْنَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ عَجْزًا بِأَنْ يُعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فَيُغْصَبُ مِنْهُ أَوْ يُرَاقُ أَوْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ مَا يَكْفِيهِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لِلتَّفْرِيقِ كَالْعَاجِزِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ، وَيَجِبُ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ مَعَ الطُّولِ، بِخِلَافِ مَنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَقْطَعُ بِكِفَايَتِهِ فَيُرَاقُ عَلَيْهِ أَوْ يُغْضَبُ مِنْهُ فَهَذَا كَالنَّاسِي كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، فَإِنْ قِيلَ.

وُجُوبُ الْمُوَالَاةِ مَشْرُوطٌ بِالذِّكْرِ وَمَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ افْتَرَقَا عِنْدَ التَّخَلُّفِ إذْ يُبْنَى مُطْلَقًا عِنْدَ عَدَمِ الذِّكْرِ وَهُوَ النِّسْيَانُ، وَأَمَّا عِنْدَ فَقْدِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ إنَّمَا يُبْنَى عِنْدَ الْقُرْبِ، وَكَانَ مُقْتَضَى شَرْطِيَّةِ الْقُدْرَةِ كَالذِّكْرِ الْبِنَاءَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْعَجْزِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَاجِزَ عِنْدَهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ بِعَدَمِ احْتِيَاطِهِ بِتَكْثِيرِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَفُّظِ مِمَّنْ يُرِيقُهُ أَوْ يَغْصِبُهُ، فَشَابَهُ الْمُتَعَمِّدَ لَتَرْكِ الْمُوَالَاةِ فَافْهَمْ.

الثَّانِي: التَّارِكُ لِبَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَمْدًا أَوْ عَجْزًا إنَّمَا أُمِرَ بِابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الطُّولِ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ التَّرْكُ يَشْمَلُ تَرْكَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، وَغَسْلُ مَا بَعْدَهُ لَكِنْ بَعْدَ تَفْرِيقٍ فَاحِشٍ، وَيَشْمَلُ مَا إذَا غَسَلَ أَوَّلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَشْرَعْ فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى جَفَّ الْأَوَّلُ، فَهَذَا أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ التَّارِكِ جُمْلَةً فَيَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ كَالْأَوَّلِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْوُضُوءِ بَلْ مِثْلُهُ الْغُسْلُ فِي التَّفْصِيلِ، فَإِنْ تَرَكَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ فَإِنَّهُ مَعَ التَّرْكِ نِسْيَانًا أَوْ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ يَبْنِي بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْغُسْلِ، وَلَوْ مَعَ الطُّولِ وَيَبْتَدِيهِ مَعَ التَّفْرِيقِ عَمْدًا، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِعْلِ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْغُسْلِ لَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ، وَيُغْسَلُ الْمَتْرُوكُ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا الرَّأْسَ فَتُثَلَّثُ لِطَلَبِ التَّثْلِيثِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَمِثْلُ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>