للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَنُو أُمَيَّةَ

وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ بِالْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ

وَالْخُطْبَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ

وَيَتَوَكَّأُ الْإِمَامُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا

ــ

[الفواكه الدواني]

نَحْوِ النِّكَاحِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ فَلَا يُفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ حَرُمَ، وَإِذَا فُسِخَ فَالْفَسْخُ بَعْدَ فَوَاتِهِ فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَفَسْخُ بَيْعٍ إلَخْ فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا نِكَاحٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فِي حَالِ سَعْيِهِمَا لِلْجُمُعَةِ، فَقِيلَ يُفْسَخُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الَّذِي يُفْسَخُ الْعَقْدَ الْمُحَرَّمُ.

وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَا سَبِيلَ لِفَسْخِهِ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ أَيْضًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْوَاقِعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَشَخْصَيْنِ عَلَيْهِمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ أَوْ ثَلَاثٍ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَأَبُو عِمْرَانَ بِالْفَسْخِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ بِعَدَمِهِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَقَيَّدْنَا السَّفَرَ بِوَقْتِ الْأَذَانِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ السَّفَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ فَمَكْرُوهٌ، فَالسَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثِ أَقْسَامٍ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فِي طَرِيقِهِ كَمُرُورِهِ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ، أَوْ يَكُونُ لَهُ رُفْقَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ التَّأْخِيرَ عَنْهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَّا جَازَ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرُّفْقَةَ لَا تَلْزَمُهُمْ جُمُعَةٌ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَى الْجَمِيعِ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي) يَعْنِي الثَّانِيَ فِي الْإِحْدَاثِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الْيَوْمَ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ عَلَى الْمَنَارِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعِيدُونَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ. (أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ) بِالزَّوْرَاءِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَذَانٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ عَلَى الزَّوْرَاءِ لِيَرْتَفِعَ النَّاسُ مِنْ السُّوقِ وَيَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارِ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْمَدِينَةِ أَمَرَ بِنَقْلِ الَّذِي عَلَى الزَّوْرَاء إلَى الْمَنَارِ وَاَلَّذِي عَلَى الْمَنَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَوْ قَالَ بَدَلُ بَنِي أُمَيَّةَ عُثْمَانُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالِاقْتِدَاءِ، إنْ كَانَ كَانَ أُمَوِيًّا لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ لَا سِيَّمَا أَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَسَمَّاهُ مُحْدِثًا وَهُوَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُحْدِثَ الَّذِي يَجِبُ تَرْكُهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ الْوَاقِعُ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ الْآنَ فَهُوَ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ وَثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالنَّاقِلُ لَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَهُوَ غَيْرُ الْمُحْدِثِ لِلثَّانِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ احْتَرَزَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ السُّنَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَهِيَ الْمَشْرُوعَةُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ الْمُحْدِثَ لِلْأَذَانِ الْأَوَّلِ الْيَوْمَ الَّذِي يُفْعَلُ قَبْلَ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي إشَارَةٌ إلَى السُّنَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِثَانَوِيَّتِهِ أَنَّهُ ثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْإِحْدَاثُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا فِي الْفِعْلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَى الْمَنَارِ الْيَوْمَ هُوَ مَا كَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَاَلَّذِي بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ هُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَنَارِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِنَقْلِهِ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ صَادِرًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ فِعْلِهِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ الْمَنَارُ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ.

الثَّانِي: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمُنْتَهَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ الزَّوَالِ كَالظُّهْرِ فِي الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَصَحَّحَ أَوَّلًا رِوَايَتَانِ، وَمِمَّنْ قَالَ إنَّ وَقْتَهَا كَوَقْتِ الظُّهْرِ الْأُجْهُورِيُّ، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ وَتَصِيرُ الْأُولَى فَائِتَةً يَجِبُ تَرْتِيبُهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَمْ يَنُصَّ أَحَدٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْعَصْرِ فَيَلْزَمُ عَلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِعْلُهَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ يَسِيرَةٌ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ،

وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْصَارِ قَالَ: (وَ) صَلَاةُ (الْجُمُعَةِ تَجِبُ بِالْمِصْرِ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ الْعَيْنِيَّةِ، وَالْمِصْرُ هُوَ الْبَلَدُ الْكَبِيرُ الَّذِي بِهِ مَنْ يُقِيمُ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ.

(وَ) كَذَلِكَ تَجِبُ بِالْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ ذَاتِ (الْجَمَاعَةِ) وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>