. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
إمَامٌ يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُرَى أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً بِالطُّوبِ وَالْأَحْجَارِ، بَلْ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَخْصَاصٍ مَصْنُوعَةٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ بُوصٍ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، إلَى أَنْ قَالَ: بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ لَا خِيَمٍ، وَبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ مُتَّحِدٍ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً فَلَا تَصِحُّ فِي الْمَكَانِ الْمُحَجَّرِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ أَوْ مَبْنِيٍّ بِنَاءً خَفِيفًا أَيْ دُونَ الْمُعْتَادِ، وَحَقِيقَةُ الِاسْتِيطَانِ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ عَلَى التَّأْيِيدِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ تَتَقَرَّى بِهَا الْقَرْيَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْجُمُعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةٍ وَيُقَالُ لَهَا شُرُوطُ أَدَاءٍ، وَحَقِيقَتُهَا كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، فَشُرُوطُ الصِّحَّةِ وُقُوعُ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَاسْتِيطَانِ بَلَدِهَا، وَوُجُوبُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ وَحُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ ذُكُورًا أَحْرَارًا مُسْتَوْطِنِينَ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى، وَكَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْخَطِيبُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَوُقُوعُ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فِي الْجَامِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْبَلَدِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ حِينَ بِنَائِهِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا ابْتِدَاءً بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَاعَا وَالْبَاعُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَحَلٍّ وَلَا طَرِيقَ بِجِوَارِهِ تُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ تَعَدُّدُهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا لَوْ ارْتَضَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ حَاجَةُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ لِصَلَاتِهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ كَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ وَلَوْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ وُجُودُ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّ هَذَا أَوْلَى لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ لَمَا بَعْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ اتِّحَادِ الْجَامِعِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةً وَاحِدَةً، وَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى، الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ.
قَالَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَذْهَبُنَا لَا يُخَالِفُهُ فِي هَذَا، وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالِاسْتِيطَانُ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَلَى قَصْدِ التَّأْبِيدِ لَا الْإِقَامَةُ الْمُجَرَّدَةُ فَلَا تَجِبُ بِهَا إلَّا تَبَعًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْحُضُورِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ لَا يَسْتَطِيعُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ بِكَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ، وَقَوْلُنَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ إلَخْ لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُطَالَبُونَ بِحُضُورِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ صَحَّتْ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ صِحَّةِ صَلَاةِ جَمِيعِهِمْ، لَا إنْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَافِعِيًّا لَمْ يُقَلِّدْ مَالِكًا فِي صَلَاتِهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْبَلَدِ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ دَائِمًا مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهَا تَتَقَرَّى بِهَا الْقَرْيَةُ فِي أَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِنَا وَالْعَادَةُ وَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ يُجَوِّزُ تَخَلُّفَ ذَلِكَ فَافْهَمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِيطَانَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْجَمَاعَةِ لَا فِي الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْخَلِيفَةِ، وَالْخَلِيفَةُ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْطِنًا بَلْ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ مَقِيسًا عَلَيْهِ تَصِحُّ إمَامَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: شَأْنُ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ أَحَطَّ مَرْتَبَةً مِنْ أَصْلِهِ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةً حَسَنَةً وَهِيَ صِحَّةُ إمَامَةِ مُسَافِرٍ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِي قَرْيَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَطِيبًا فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِكَيْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إلَّا الَّذِي لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَيْضًا صِحَّةَ إمَامَةِ مَنْ قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَبَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ كَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ قَدْرُ فَرْسَخٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ خَارِجًا عَنْ كَفَرْسَخٍ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ إمَامَتِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ رَاجِعْ شُرَّاحَهُ لِخَلِيلٍ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي، ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ.
(وَالْخُطْبَةُ فِيهَا) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَاجِبَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِلَا خُطْبَةٍ، فَإِذَا صَلَّوْا مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ أَعَادُوهَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا دَامَ وَقْتُهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا مُشَجِّعًا مُخَالِفًا لِلنَّثْرِ وَالشِّعْرِ بِحَيْثُ تُسَمِّيهَا الْعَرَبُ خُطْبَةً، وَأَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ كَانُوا عَجَمًا، وَأَنْ تَكُونَ جَهْرًا وَلَوْ كَانُوا صُمًّا، وَأَنْ تَكُونَ بِحَضْرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَحْرَارًا مُسْتَوْطِنِينَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا، وَأَنْ تَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ، دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا كَجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَصِحُّ مِنْ مَحْضِ قُرْآنٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ وَبَعْضِ مَوَاعِظَ كَسُورَةِ ق، وَيُسْتَحَبُّ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَلْ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ (قَبْلَ الصَّلَاةِ) فَلَوْ صَلَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute