النَّوَافِلِ
وَلَيْسَ فِي أَثَرِ صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ خُطْبَةٌ مُرَتَّبَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ وَيُذَكِّرَهُمْ. .
ــ
[الفواكه الدواني]
نُدِبَتْ لَهُ فَقَطْ، وَإِنْ فَعَلَهَا مَعَ جَمَاعَةٍ لَمْ تَقَعْ لَهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالْجَمَاعَةِ الْأُولَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ مِصْرًا.
١ -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَلَا السُّجُودِ وَلَا حُكْمُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَلَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ فِي تَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَوْلَيْنِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا النَّدْبُ وَمُقَابِلُهُ السُّنِّيَّةُ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ سَهْوًا وَلَا بُطْلَانَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا وَلَوْ مِنْ الثَّلَاثِ، بِأَنْ قَرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِسَبِّحْ، وَفِي الثَّانِي بِهَلْ أَتَاك، وَفِي الثَّالِثِ بِأَلَمْ نَشْرَحْ.
وَفِي الرَّابِعِ بِإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ، وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ السُّجُودُ فِي السَّهْوِ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعَمْدِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ السُّنِّيَّةُ، وَكَذَا الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ الزَّائِدَيْنِ، فَمَنْ صَلَّاهَا بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا أَجْرَى الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَهَلْ يَتَعَمَّدُ تَرْكَ سُنَّةٍ أَوْ لَا؟ وَلَا سُجُودَ خِلَافٌ، وَتُدْرَكُ رَكْعَتُهَا بِالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، فَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْضِي الثَّانِيَةَ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ.
١ -
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تُكَرَّرُ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ انْجَلَتْ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ وَمُحَصِّلُهُ: إنْ انْجَلَتْ بَعْدَ تَمَامِ شَطْرِهَا فَقِيلَ يُتِمُّهَا بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعٍ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا كَالنَّافِلَةِ بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ انْجَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ شَطْرِهَا فَقِيلَ يَقْطَعُهَا وَقِيلَ يُتِمُّهَا كَالنَّوَافِلِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ
١ -
الرَّابِعُ: لَمْ يُبَيِّنْ كَخَلِيلٍ حُكْمَ مَا لَوْ زَالَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ وَأَقُولُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا كَالنَّافِلَةِ وَلَا يَقْطَعُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا اُفْتُتِحَتْ بِوَجْهٍ جَائِزٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خُرُوجُ وَقْتِهَا أَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا يُخَفَّفُ فِي فِعْلِهَا وَتُمِّمَتْ نَافِلَةً وَلَا تُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوَالِ قَبْلَ تَمَامِ شَطْرِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الزَّوَالُ كَالتَّجَلِّي لِوُجُودِ السَّبَبِ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ وَحَرِّرْ ذَلِكَ.
١ -
الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ صَلَاتِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُفْعَلُ عَلَى مَا يُمْكِنُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهَا؛ لِأَنَّ السُّنَنَ قَدْ تُتْرَكُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَالسُّورَةِ مَثَلًا لِمَنْ خَافَ بِقِرَاءَتِهَا خُرُوجَ الْوَقْتِ وَعَدَمَ إدْرَاكِهِ،
وَأَشَارَ إلَى صِفَةِ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ وَلْيُصَلِّ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَفْذَاذًا) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَفِعْلُهَا فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ. (وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَيْلِيَّةٌ فِيهَا الْجَهْرُ (كَسَائِرِ رُكُوعِ النَّوَافِلِ) اللَّيْلِيَّةِ وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ قَمَرٍ كَالنَّوَافِلِ جَهْرًا بِلَا جَمْعٍ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا الِانْفِرَادُ وَتُكْرَهُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَيَجُوزُ تَكْرَارُهَا، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالنَّوَافِلِ أَنَّهَا تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ سُنَّةً، وَمُقَابِلُ الْمُعْتَمَدِ قَوْلُ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ: أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ فَإِنْ طَلَعَ مَكْسُوفًا صَلُّوا الْمَغْرِبَ قَبْلَهَا، وَيَفُوتُ فِعْلُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهُ وَلَوْ تَعَمَّدُوا تَأْخِيرَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ صَلَاتِهَا لَوْ لَمْ يَخْسِفْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ لَوْ خَسَفَ لَيْلًا وَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى غَابَ فَعِنْدَنَا لَا تُصَلَّى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُصَلَّى، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ إلَّا فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ جَمَعَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ، وَلَكِنْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ.
(وَلَيْسَ فِي إثْرِ) أَيْ عَقِبِ (صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ خُطْبَةٌ مُرَتَّبَةٌ) بِحَيْثُ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَقَلُوا صِفَةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ فِيهَا، وَمَا صَدَرَ مِنْ تَسْمِيَةِ عَائِشَةَ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ خُطْبَةً فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ يُشْبِهُ الْخُطْبَةَ.
(وَ) لَكِنْ (لَا بَأْسَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَعِظَ) الْإِمَامُ (النَّاسَ) بَعْدَهَا (وَيُذَكِّرَهُمْ) تَفْسِيرٌ لِلْوَعْظِ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَوَعَظَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَعْظَ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْآيَاتِ يُرْجَى تَأْثِيرُهُ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَعْظُ النَّاسِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَحْرِيضُهُمْ وَحَثُّهُمْ عَلَى بَذْلِ الصَّدَقَاتِ وَالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» . وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ نَقْرِ النُّحَاسِ عِنْدَ الْخُسُوفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ مِنْ عَمَلِ فِرْعَوْنَ
١ -
(خَاتِمَةٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ السُّجُودِ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرَ