للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّنَاءُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ

ــ

[الفواكه الدواني]

حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي الْقِيرَاطَيْنِ، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ مِنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَأَنَّ أَحَدَ الْقِيرَاطَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْآخَرِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حُصُولُ ثَوَابِ قِيرَاطِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَتْبَعْهَا فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَهُ. عَلَى اتِّبَاعِهَا وَعَلَى الْبَقَاءِ مَعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَثَوَابُ مَنْ اتَّبَعَهَا وَلَازَمَهَا لِلدَّفْنِ أَعْظَمُ (وَذَلِكَ) الْقِيرَاطُ (فِي التَّمْثِيلِ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ثَوَابًا) تَمْيِيزٌ لِمِثْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَبَلُ أُحُدٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ لَكَانَ ثَوَابُ هَذَا الْقِيرَاطِ كَثَوَابِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْجَبَلُ فِي كِفَّةٍ وَجُعِلَ الْقِيرَاطُ فِي كِفَّةٍ مُقَابِلَةٍ لَهَا لَسَاوَاهَا، وَأُحُدُ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذَا الْجَبَلَ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» وَخَصَّهُ بِالتَّمْثِيلِ إمَّا لِذَلِكَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْجِبَالِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَمُتَّصِلٌ بِجَمِيعِ الْجِبَالِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْقِيرَاطُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الدَّفْنِ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ثَوَابُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ.

الثَّانِي: لَوْ تَعَدَّدَتْ الْأَمْوَاتُ لَتَعَدَّدَ قِيرَاطُ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ بِتَعَدُّدِهِمْ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ وَسَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: يَحْصُلُ لَهُ بِكُلِّ مَيِّتٍ قِيرَاطٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ انْتَفَعَ بِدُعَائِهِ وَحُضُورِهِ.

الثَّالِثُ: الْمُقَسَّمُ إلَى هَذِهِ الْقَرَارِيطِ هُوَ الْأَجْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيِّتِ مِنْ تَغْمِيضِهِ وَتَقْبِيلِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَوَضْعِهِ عَلَى مُرْتَفَعٍ وَتَغْسِيلِهِ وَحَمْلِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَحُضُورِهِ وَدَفْنِهِ وَحَفْرِ قَبْرِهِ وَسَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِهَالَةِ التُّرَابِ، فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَمْرًا بَلْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ بَقِيَ مِنْهَا تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ، فَمَنْ أَتَى بِالصَّلَاةِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ جُمْلَةُ الْأَجْرِ، وَمَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْقِيرَاطُ مَنْسُوبًا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا، نَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.

الرَّابِعُ: حُضُورُ الْجِنَازَةِ إمَّا رَغْبَةً فِي أَهْلِهَا أَوْ خَوْفًا مِنْهُمْ، وَإِمَّا رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ وَإِمَّا مُكَافَأَةً، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْصُلُ بِهِ الْقِيرَاطُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى حُضُورِ الدَّفْنِ، وَقَصْدُ أَهْلِهَا وَالْمُكَافَأَةُ لَا يَضُرُّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صِلَةِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» إلَخْ الْإِمْكَانُ حَمْلُهُ عَلَى حُصُولِ الْأَجْرِ الْكَامِلِ،

وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ وَلَوْ بِعَفَا اللَّهُ عَنْهُ أَوْ رَحِمَهُ اللَّهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُجْزِي أَنْ (يُقَالَ فِي الدُّعَاءِ) فِي الصَّلَاةِ (عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ) أَيْ أَوْ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَصَلَ الْوَاجِبُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِلَفْظٍ أَوْ قَدْرٍ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاسِعٌ) فِي تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ (وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدُّعَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (أَنْ يُكَبِّرَ) عِنْدَ شُرُوعِهِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ رُكْنٌ كَمَا بَيَّنَّا. (ثُمَّ) الْأَوْلَى الْفَاءُ بَدَلُ ثُمَّ عَدَمُ التَّرَاخِي (يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى) وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: ٢٨] فَأَطْلَقَ الْمَوْتَ عَلَى عَدَمِهِ قَبْلَ إنْشَائِهِمْ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ مَنْ أَرَادَ إمَاتَتَهُ، وَأَحْيَا مَنْ أَرَادَ حَيَاتَهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ بِالْكُفْرِ وَأَحْيَا بِالْإِيمَانِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ) مُتَرَادِفَانِ (وَ) لَهُ (الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى سَبَبٍ بَاعِثٍ بَلْ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ.

(وَ) لَهُ (الْقُدْرَةُ) التَّامَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ.

(وَ) لَهُ (السَّنَاءُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ فِي الشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ لَا فِي الْمَكَانِ، وَأَمَّا بِالْقَصْرِ فَهُوَ الضَّوْءُ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا. (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ الْمُمْكِنَاتِ (قَدِيرٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت) الْبَرَكَةُ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ (عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ) أَيْ مَحْمُودٌ (مَجِيدٌ) أَيْ مُعَظَّمٌ وَمُشَرَّفٌ وَكَرِيمٌ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ صِيغَةُ الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي التَّشَهُّدِ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَمْ تَأْتِ فِي طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ فِيهَا هُنَا لَفْظُ فِي الْعَالَمِينَ وَزَادَ هُنَاكَ، وَحَذَفَ. أَيْضًا لَفْظَ: وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>