للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَتِك أَنْتَ خَلَقْته وَرَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيه وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَجِيرُ بِحَبْلِ جِوَارِك لَهُ إنَّك ذُو وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ اللَّهُمَّ قِه مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَنَقِهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ تَقُولُ هَذَا بِأَثَرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَإِنْ كَانَ الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا فَقَطْ، وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَارِدِ وَتَرْكُ مَا لَمْ يَثْبُتْ وُرُودُهُ، وَتَقَدَّمَتْ الْمُنَاقَشَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ فَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إمَامٌ عَظِيمٌ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ. (اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنَا، وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ فِي وَلَدِ الزِّنَا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّهُ عَبْدُك، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي نِدَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَقِيلَ: يُنَادَى بِاسْمِ أُمِّهِ، وَقِيلَ: بِاسْمِ أَبِيهِ. (أَنْتَ خَلَقْته وَ) أَنْتَ (رَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتّه) فِي الدُّنْيَا (وَأَنْتَ تُحْيِيه) فِي الْآخِرَةِ (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ) أَيْ اقْبَلْ دُعَاءَنَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَبِلَ اللَّهُ شَفَاعَتَهُمْ " وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ الِاجْتِهَادُ فِي إحْضَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أَدْنَى مِنْ الْمَيِّتِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّمَا يَقُولُ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُسَاوِيًا أَوْ أَرْفَعَ رُتْبَةً، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَإِنَّمَا يَقُولُ: جِئْنَا مَعَ الشُّفَعَاءِ لَهُ. (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَجِيرُ) أَيْ نَطْلُبُ الْإِجَارَةَ وَالْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك حَالَ كَوْنِنَا مُتَمَسِّكِينَ (بِحَبْلِ جِوَارِك) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَمَانِك (لَهُ) وَفِي كَلَامِهِ اسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا يُجْمَعُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ إلَّا بِالْحَبْلِ، وَبَيَانُ الِاسْتِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْعَبْدَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ بِإِسَاءَتِهِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ فَلَا يَنْضَافُ إلَى رَحْمَتِهِ إلَّا بِحَبْلِ عَفْوِهِ وَفَضْلِهِ فَالِاسْتِعَارَةُ تَصْرِيحِيَّةٌ، فَإِضَافَةُ حَبْلٍ إلَى جِوَارٍ بَيَانِيَّةٌ. (إنَّك ذُو) أَيْ صَاحِبُ (وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ) أَيْ عَهْدٍ، وَقَدْ وَعَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمَغْفِرَةِ. (اللَّهُمَّ قِه) أَيْ نَجِّهِ (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) بِأَنْ تُثَبِّتَهُ لِجَوَابِ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ، أَوْ تَجْعَلَهُ مِمَّنْ لَا يُسْأَلُ كَالشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا ضَمَّةُ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْهَا سِوَى الْأَنْبِيَاءِ لَنَجَى مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِهِ وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْ أَفْلَتَ مِنْهَا أَحَدٌ لَأَفْلَتَ مِنْهَا هَذَا الصَّبِيُّ» وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي قُبُورِهِمْ ضَمَّةً وَلَا سُؤَالٌ لِعِصْمَتِهِمْ.

(وَ) قِه (مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) بِسَتْرِ ذُنُوبِهِ (وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزْلَهُ) بِسُكُونِ الزَّايِ أَيْ اُلْطُفْ بِهِ حِينَ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ وَحِيدًا فَرِيدًا بِأَنْ تُرِيَهُ فِيهِ مَا يُؤْنِسُهُ،؛ لِأَنَّ النُّزُلَ يُطْلَقُ عَلَى حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ وَإِكْرَامِهِ فِيهِ بِرُؤْيَةِ مَا يَسُرُّهُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيُطْلَقُ النُّزُلُ عَلَى مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ (وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ) أَيْ قَبْرَهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ مَاءَانِ مُنْعَقِدَانِ يَنْزِلَانِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ يَذُوبَانِ، وَالْمَعْنَى: اُمْحُ ذُنُوبَهُ وَلَا تُبْقِي مِنْهَا شَيْئًا بِقَرِينَةٍ. (وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ) الْوَسِخُ (مِنْ الدَّنَسِ) وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الْغَسْلِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْمَخْلُوقِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الزَّنَاتِيُّ: اللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَلَوْلَا وُرُودُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ الشَّارِعِ لَمَا جَازَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى: حَتَّى يَصِيرَ فِي نَظَرِنَا كَالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ الَّذِي نُشَاهِدُهُ خَالِصًا مِنْ كُلِّ مُنَافٍ لِلْبَيَاضِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْخُلُوصِ مِنْ الذُّنُوبِ. (وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ) بِأَنْ تَجْعَلَ دَارِهِ الْجَنَّةَ (وَ) أَبْدِلْهُ (أَهْلًا) أَيْ قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ) فِي الدُّنْيَا (وَ) أَبْدِلْهُ (زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ) لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الدُّنْيَا قَدْ تَكُونُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِثْلَهُ، وَإِلَّا عُوِّضَ خَيْرًا مِنْهَا، أَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا ذَاتَ أَزْوَاجٍ وَصَحَّتْ لِغَيْرِهِ فَيُبْدِلُهُ خَيْرًا مِنْهَا، أَوْ لَمْ يُزَوَّجْ فِي الدُّنْيَا فَيُعَوِّضُهُ خَيْرًا مِنْ الَّتِي كَانَ يُرِيدُ زَوَاجَهَا. (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) فِي الدُّنْيَا لِغَيْرِهِ (فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ) أَيْ فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِك) ضَيْفًا (وَأَنْتَ خَيْرُ) جَوَّادٍ (مَنْزُولٍ بِهِ) فَالضَّمِيرُ لَيْسَ لِلَّهِ (فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَزَلَ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ) لِاسْتِغْنَائِك عَنْ كُلِّ مَا سِوَاك. (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَجْرَ مُصِيبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُصَابٌ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) بِسَبَبِ مُصِيبَتِهِ (تَقُولُ هَذَا) الدُّعَاءَ وُجُوبًا (بِأَثَرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَأَمَّا الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْدُوبَانِ وَالْوَاجِبُ الدُّعَاءُ وَلَوْ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا قَدَّمْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>