للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ فَأَفْطَرَ لِسَفَرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ أَفْطَرَ سَاهِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ

وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ

ــ

[الفواكه الدواني]

فَلَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ يُبَيِّتُ الصَّوْمَ وَيَسْتَمِرُّ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ أَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا وَأَمْسَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ غَيْرِ إكْرَاهٍ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَأُخْرَى مِنْ ذِي الْعُذْرِ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بِخِلَافِ مَنْ يُبَاحُ لَهُ لَا مَعَ الْعِلْمِ كَالنَّاسِي أَوْ لِعُذْرِ إكْرَاهٍ وَأُلْحِقَ بِهِمَا الشَّاكُّ فِي الْيَوْمِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَضَابِطُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ مَخْدُوشٌ مَنْطُوقًا بِالْمُكْرَهِ وَمَفْهُومًا بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ لِمَا قَدَّمْته لَك مِنْ حُكْمِهِمَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى جَوَازِ اسْتِمْرَارِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ وَمَنْ مَعَهُ جَوَازُ وَطْءِ كُلٍّ زَوْجَتَهُ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا يَوْمَ قُدُومِهِ وَيَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً أَوْ صَائِمَةً حَيْثُ لَا يُفْسِدُ الْوَطْءُ صَوْمَهَا فِي دِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهَا فِي دِينِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى نَحْوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ خِنْزِيرٍ.

الثَّانِي: وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ خِطَابِهِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْإِمْسَاكُ كَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ نَهَارًا، وَإِنْ قُلْنَا بِخِطَابِهِ نُدِبَ لَهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِيَظْهَرَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ بِسُرْعَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْإِسْلَامِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَلَمَّا كَانَتْ التَّطَوُّعَاتُ تَصِيرُ عِنْدَنَا وَاجِبَةَ الْإِتْمَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ فَسَادِهَا قَالَ:

(وَمَنْ أَفْطَرَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا) عَمْدًا حَرَامًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي يَتَعَمَّدُ إفْسَادَهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَقَضَاءٌ فِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتٍّ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا فَإِنَّهُمَا إنْ أَمَرَاهُ بِالْفِطْرِ شَفَقَةً عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يُطِيعَهُمَا وَيُفْطِرَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا وَلَا حُرْمَةَ وَلَا قَضَاءَ، وَمِثْلُ الْوَالِدَيْنِ السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ، وَالْمُرَادُ الْوَالِدَانِ دَنِيَّةً لَا الْجَدُّ وَلَا الْجَدَّةُ، وَأَمَّا الْفِطْرُ لِنَحْوِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ غَيْرُ حَرَامٍ. (أَوْ سَافَرَ) عَطْفٌ عَلَى أَفْطَرَ (فِيهِ) أَيْ فِي زَمَنِ تَطَوُّعِهِ بِالصَّوْمِ (فَأَفْطَرَ) فِيهِ عَمْدًا لَا لِعُذْرٍ بَلْ (لِسَفَرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِحُرْمَةِ فِطْرِ الْمُتَطَوِّعِ اخْتِيَارًا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ مُخْتَصٌّ بِرَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، فَقَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَاجِعٌ لِمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا وَلِمَنْ أَفْطَرَ فِي سَفَرِهِ، فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ حَدِيثُ: «الصَّائِمُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْفِطْرِ لِلْمُتَطَوِّعِ وَعَدَمَ لُزُومِ الْقَضَاءِ فَمَا الْجَوَابُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ مَقَالًا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ، وَالْمَجَازُ إمَّا فِي أَوَّلِهِ وَإِمَّا فِي آخِرِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّائِمِ فِيهِ إمَّا مَرِيدُ الصَّوْمِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ صَامَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّائِمِ الْمُتَلَبِّسِ بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ الصَّائِمُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ صَامَ مَعْنَاهُ اسْتَمَرَّ عَلَى صَوْمِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا، وَارْتِكَابُ الْمَجَازِ فِي أَوَّلِهِ يُعَيِّنُهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] هَكَذَا أَجَابَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ، وَرُبَّمَا يُعَيِّنُ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا كُنْت صَائِمَةً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» فَلَعَلَّ الصَّوَابَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَلِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَصْبَحَتَا مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» فَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ مُبَاحًا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا قُلْنَا، أَلَا تَرَى لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ذَلِكَ يَلْعَبُ بِصِيَامِهِ؟ وَأَيْضًا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلِيَدْعُ إلَى أَهْلِ الطَّعَامِ، وَوَرَدَ صَرِيحًا «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلَا يَأْكُلْ» وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ مَعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومٍ عَامِدًا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي تَطَوُّعِهِ حَالَ كَوْنِهِ (سَاهِيًا) أَوْ مُكْرَهًا (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَعَمُّدِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَدْبِ قَضَائِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِثْلُ النَّاسِي الْمُفْطِرُ لِضَرُورَةٍ كَجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ لِوَجْهٍ كَأَمْرِ شَيْخِهِ أَوْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ شَيْخُهُ فِي الْعِلْمِ أَوْ الطَّرِيقَةِ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي الْفِطْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ مُخْتَصًّا بِالتَّطَوُّعِ قَالَ: (بِخِلَافِ) صَوْمِ (الْفَرِيضَةِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَلَوْ بِفِطْرِ النِّسْيَانِ، وَسَوَاءٌ رَمَضَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ إلَّا الْمُعَيَّنَ يَفُوتُ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ عَلَى مَا قَالَ خَلِيلٌ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ،

وَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>