للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَهَارِهِ

وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْحِجَامَةُ إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ

وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ فَعَلَيْهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي حُكْمِ الِاسْتِيَاكِ فِي حَقِّ الصَّائِمِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ حُكْمِهِ فِي الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ) أَيْ الِاسْتِيَاكِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ (لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ، فَلَا بَأْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ الْوُضُوءِ وَلَكِنْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا تَوَقَّفَ زَوَالُ مَا يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَائِحَةِ بَصَلٍ أَوْ ثُومٍ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزَاءِ وَلَوْ فِي حَقِّ الصَّائِمِ بِغَيْرِ رَمَضَانَ بَلْ وَلَوْ لِغَيْرِ صَائِمٍ، لِتَعْلِيلِ حُرْمَةِ الِاسْتِيَاكِ بِهَا بِأَنَّهَا مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُحَمِّرُ الْفَمَ وَحَرَّرَهُ وَقَدْ يُكْرَهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِيَاكِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لِلرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي كَرَاهَتِهِ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَدَلِيلُنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ لَأَوْجَبْته عَلَيْهِمْ، وَهَذَا يَعُمُّ الصَّائِمَ وَغَيْرَهُ، وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا أُحْصِي وَلَا أَعُدُّ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ» . وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كَانَ يَسْتَاكُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ صَائِمٌ» وَلَا دَلَالَةَ لِلْإِمَامَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فِيمَا تَمَسَّكُوا بِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَنْقَطِعُ مَا دَامَتْ الْمَعِدَةُ مَوْجُودَةً، فَإِنْ قِيلَ: الْخُلُوفُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَلَا يُزَالُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي التَّطَوُّعَاتِ الْإِخْفَاءُ مَخَافَةَ الرِّيَاءِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِإِبْقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ، فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَطِيبُ رَائِحَةِ فَمِهِ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ، وَأَيْضًا لِلشَّارِعِ غَرَضٌ فِي بَقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ لِيَشْهَدَ لَهُ عَلَى الْخَصْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِفِعْلِهِ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ تَكُونُ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ حِسًّا أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا مُنْتِنَةٌ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا مِنْ بَابِ تَشْبِيهِ الْحَسَنِ الشَّرْعِيِّ بِالْعُرْفِيِّ، أَيْ أَنَّ هَذَا الْمُنْتِنَ عِنْدَنَا فِي الْحُسْنِ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ فِي الشَّرْعِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَ الطَّبْعِ لِصَبْرِ الصَّائِمِ عَلَيْهِ وَالصَّبْرُ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِطِيبِهِ اسْتِلْذَاذَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِطِيبِهِ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّائِمِ بِسَبَبِهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَوْنِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ هَلْ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ؟ ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ وَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَلْ الْآثَارُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.

الثَّانِي: الْخُلُوفُ رِيحٌ مُتَغَيِّرٌ كَرِيهُ الشَّمِّ يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ فَتْحَهَا وَهُوَ خَطَأٌ

(وَلَا تُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلصَّائِمِ (الْحِجَامَةُ) وَلَا الْفَصَادَةُ (إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ) لِأَدَائِهَا إلَى الْفِطْرِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ قَوْلُهُ خِيفَةَ التَّغْرِيرِ بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: يُكْرَهُ ذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَمُدَاوَاةُ حَفْرِ زَمَنِهِ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ إلَّا إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا، وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ أَنَّ الْحِجَامَةَ وَالْفَصَادَةَ يَحْرُمَانِ عِنْدَ عِلْمِ عَدَمِ السَّلَامَةِ حَتَّى عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُكْرَهَانِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي السَّلَامَةِ وَلَوْ لِلصَّحِيحِ، وَأَمَّا عِنْدَ اعْتِقَادِ السَّلَامَةِ فَالْكَرَاهَةُ لِلْمَرِيضِ وَعَدَمُهَا لِلصَّحِيحِ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجَزْمُ بِالسَّلَامَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرِيضِ مَنْ قَامَ بِهِ الْمَرَضُ وَمِثْلُهُ ضَعِيفُ الْبِنْيَةِ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَضَعْفُ بِنْيَةِ الصَّحِيحِ وَشَيْخُوخَتِهِ كَالْمَرِيضِ.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى خُصُوصِ الْحِجَامَةِ لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ بِنَفْسِهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى فِطْرِهِمَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ» وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِي الْجَوَابِ أَنَّ حَدِيثَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» لَمْ يَصِحَّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ مَعَ ذِكْرِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ لَهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَحْكُمْ أَحَدٌ بِتَصْحِيحِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مَنْسُوخًا كَمَا تَقَدَّمَ

(وَمَنْ ذَرَعَهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خَرَجَ مِنْهُ غَلَبَةً (الْقَيْءُ فِي) صِيَامِ (رَمَضَانَ) وَأَوْلَى غَيْرُهُ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا وَلَوْ خَرَجَ مُتَغَيِّرًا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَلْقِهِ كَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي الْوُصُولِ.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْقَلْسُ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عِنْدَ امْتِلَائِهَا فَإِنْ بَلَغَ إلَى فِيهِ وَأَمْكَنَهُ طَرْحُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ مَالِكٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>