للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَصَبَةِ أَحَقُّ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَضَى ذَلِكَ. .

وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ

ــ

[الفواكه الدواني]

بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ الْخَاصَّةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (أَوْ) يَأْذَنُ (السُّلْطَانُ) أَوْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَاكِمُ حَيْثُ كَانَ مُعْتَنِيًا بِأَمْرِ الشَّرِيعَةِ، فَأَوْفَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الْحَاكِمِ مُتَأَخِّرَةٌ عَمَّنْ قَبْلَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا حَاكِمٌ أَيْضًا فَوِلَايَةٌ عَامَّةٌ مُسَلَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] وَلَوْ كَانَتْ شَرِيفَةً، وَلِلْوَلِيِّ مِنْ ذِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا وَتَرْضَى بِهِ كَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ إذَا وَكَّلَتْهُ فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِابْنِ عَمٍّ وَنَحْوِهِ إنْ عَيَّنَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا وَتَرْضَى وَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَنَظِيرُهُ السَّيِّدُ يُعْتِقُ أَمَتَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا أَعْلَمَهَا وَرَضِيَتْ بِهِ وَبِمَا عَيَّنَهُ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ إنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ الشَّرِيفَةِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ فَفِي جَوَازِ نِكَاحِهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي) الثَّيِّبِ (الدَّنِيئَةِ) بِالْهَمْزِ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ لِلدَّنَاءَةِ، وَالدَّنِيئَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا لِعَدَمِ مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا هَلْ يَجُوزُ لَهَا (أَنْ تُوَلِّيَ) أَيْ تُوَكِّلَ رَجُلًا (أَجْنَبِيًّا) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ الْغَيْرِ مُجْبِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي لِأَشْهَبَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَيَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَحَّ بِهَا فِي دَنِيئَةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ، وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَتْ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَأَمَّا الشَّرِيفَةُ تُوَكِّلُ أَجْنَبِيًّا مَعَ الْخَاصِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ فَيُفْسَخُ، إلَّا أَنْ يَدْخُلَ وَيُطَوِّلَ بِحَيْثُ تَلِدُ الْأَوْلَادَ أَوْ يَمْضِي مَا يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ الْأَوْلَادَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بِهَا دَنِيئَةً مَعَ خَاصٍّ: لَمْ يُجْبِرْ كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وَطَالَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ خُيِّرَ الْقَرِيبُ أَوْ الْحَاكِمُ مَعَ الْقَرِيبُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ طُولٌ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فَقِيلَ يَتَحَتَّمُ الْفَسْخُ، وَقِيلَ يُخَيِّرُ الْوَلِيُّ وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ قَرُبَ فَلِلْأَقْرَبِ، أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ الرَّدُّ، وَفِي تَحَتُّمِهِ إنْ طَالَ قَبْلَهُ تَأْوِيلَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلِيَّ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُجْبِرٌ وَغَيْرُ مُجْبِرٍ، وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ عَلَى قِسْمَيْنِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ، وَالْمَنْكُوحَةُ فِي كُلٍّ إمَّا شَرِيفَةٌ أَوْ دَنِيئَةٌ، فَتَزْوِيجُ غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ شَرِيفَةً أَمْ لَا، كَانَ الزَّوْجُ خَاصًّا أَوْ عَامًّا، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْخَاصِّ مَعَ الْخَاصِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فَصَحِيحٌ مُطْلَقًا أَيْ فِي شَرِيفَةٍ أَوْ دَنِيئَةٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى مَا يَصِحُّ: وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ارْتَضَاهُ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ يَحْرُمُ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْعَامِّ مَعَ وُجُودِ الْخَاصِّ الْغَيْرِ الْمُجْبِرِ فَصَحِيحٌ فِي الدَّنِيئَةِ مُطْلَقًا كَالشَّرِيفَةِ إنْ دَخَلَ وَطَالَ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الطُّولِ وَبَيَانُ مَفْهُومِ الْقَيْدَيْنِ أَعْنِي الدُّخُولَ وَالطُّولَ فَافْهَمْ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الثَّيِّبِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالِابْنُ) وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ (أَوْلَى مِنْ الْأَبِ) فِي الْعَقْدِ عَلَى أُمِّهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ إذْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ أُمَّك» أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَفِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِابْنِهَا: قُمْ يَا عُمَرُ زَوِّجْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهَا» قَالَ: وَفِي بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ جَهَالَةٌ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَكَوْنُ عُمَرَ زَوَّجَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ، قُلْنَا: مُسَلَّمٌ لَكِنْ تَزْوِيجٌ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَكَوْنُهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا كَذَلِكَ؟ وَقَوْلُهُمْ: كَوْنُ عُمَرَ زَوَّجَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ كَلَامٌ سَاقِطٌ انْتَهَى بَلْ يَدُلُّ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالنَّسَبِ تَفْتَقِرُ إلَى التَّعْصِيبِ وَالِابْنُ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ تَعْصِيبًا لِأَنَّهُ يَحْجُبُ الْأَبَ نَقْصًا، وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَوَالِي مَوَالِيهَا مِنْ الْأَبِ، وَأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبِ (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى هُوَ مَا فَهِمَهُ جُلُّ شُيُوخِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: فَإِنْ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ مَعَ أَقْرَبَ مَضَى وَصَحَّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ بِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ.

الثَّانِي: مَحَلُّ تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ مَا لَمْ تَكُنْ الثَّيِّبُ فِي حِجْرِ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا أَوْ مُقَدَّمَ قَاضٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الْأَبِ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ كُلٌّ عَلَى الِابْنِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ مِنْ زِنًا وَلَمْ تُثَيَّبْ قَبْلَهُ بِنِكَاحٍ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَبُ لِبَقَاءِ جَبْرِهِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً؛ لِأَنَّ أَبَاهَا يُجْبِرُهَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ بِنِكَاحٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زِنًا بَعْدَ ذَلِكَ فَالِابْنُ يُقَدَّمُ فِي هَذِهِ عَلَى أَبِيهَا فَافْهَمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلثَّيِّبِ ابْنٌ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهَا أَحَقُّ بِنِكَاحِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْأَبُ) الشَّرْعِيُّ (أَوْلَى مِنْ الْأَخِ) فِي الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَبُ عَلَى أَخِ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ أَخَاهَا إنَّمَا يُدْلِي إلَيْهَا بِأَبِيهَا، وَالْمُدْلِي إلَى شَخْصٍ بِوَاسِطَةٍ يُحْجَبُ بِهَا، وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ الزِّنَا مَقْطُوعَةُ النَّسَبِ، فَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>