للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَصَبَةِ.

وَلَا يَخْطُبُ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ وَذَلِكَ إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا.

وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ

ــ

[الفواكه الدواني]

أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُجْبِرُ الْمَجْنُونَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَاقِيَةٌ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ جُنُونُهُ فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ لِلْحَاكِمِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ الصَّدَاقَ عَنْ الطِّفْلِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَدَاقُهُمْ إنْ أُعْدِمُوا عَلَى الْأَبِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَيْسَرُوا بَعْدُ وَلَوْ شُرِطَ ضِدُّهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ إلَّا لِشَرْطٍ، وَالضَّمِيرُ لِلْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهُمْ الْوَصِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ فَصَدَاقُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَوْ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيُّ وَلَا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمَا.

الثَّانِي: قَيَّدْنَا الْوَصِيَّ بِالذِّكْرِ، وَأَمَّا الْأُنْثَى إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً عَلَى ذَكَرٍ فَلَهَا مُبَاشَرَةُ عَقْدِ نِكَاحِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً عَلَى أُنْثَى لَوَجَبَ عَلَيْهَا التَّوَكُّلُ فِي مُبَاشَرَةِ عَقْدِهَا لِوُجُوبِ ذُكُورَةِ وَلِيِّهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَمُعْتَقَةٌ وَإِنْ أَجْنَبِيًّا كَعَبْدٍ أَوْ وَصِيٍّ، وَلَهَا اخْتِيَارُ الزَّوْجِ وَتَقْرِيرُ الصَّدَاقِ.

ثُمَّ صَرَّحَ بِحُكْمِ الطِّفْلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُزَوِّجُ) الْوَصِيُّ مُطْلَقًا (الصَّغِيرَةَ) الَّتِي فِي وِلَايَتِهِ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا) أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطِّفْلِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَ وَكَانَ فِي نِكَاحِهِ مَصْلَحَةٌ دُونَ الطِّفْلَةِ، أَنَّ الطِّفْلَ إذَا بَلَغَ وَكَرِهَ النِّكَاحَ لَهُ الْفَسْخُ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْأُنْثَى لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّ إنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ كَانَ لَهُ جَبْرُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِجْبَارِ وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُنْثَى حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ بِالْقَوْلِ، وَأَمَّا الذَّكَرُ فَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ وَلَوْ أُنْثَى أَنْ يُزَوِّجَهُ إذَا طَلَبَ وَكَانَ فِي نِكَاحِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا يَجُوزُ جَبْرُهُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى الضَّيْعَةِ أَوْ عَلَى التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ لَيْسَ كَالْوَصِيِّ عَلَى ذَاتِ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَطْفَالِ.

وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى قَبْضِ الدُّيُونِ لَا يُجْبِرَانِ، وَلَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَجَبَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مَضَى، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُجْبِرُ فِيهَا الْوَصِيُّ لَوْ جَبَرَ مَضَى بَعْدَ الْوُقُوعِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ وَجْهَ الصِّحَّةِ أَنَّهُ وَصِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ فَرَاجِعْهُ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ الْخَرَشِيِّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دَيْنِهِ صَحَّ مَا نَصَّهُ قَوْلُهُ صَحَّ أَيْ بَعْدَ الْوُقُوعِ إذَا زَوَّجَ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ، إذْ لَيْسَ لَهُ جَبْرُ بَنَاتِهِ اتِّفَاقًا، فَالْمُرَادُ زَوَّجَ مِنْهُنَّ مَنْ لَمْ تُجْبَرْ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ بِإِذْنِهَا، وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ مَنْ تُجْبَرُ لَفُسِخَ أَبَدًا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ فَانْظُرْ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَبَقِيَ قِسْمٌ فِي الْوَصِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ الَّذِي أَوْصَاهُ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَنَا وَصِيٌّ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى عَقْدِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَنَاتِي، فَقِيلَ لَهُ الْجَبْرُ وَرُجِّحَ، وَقِيلَ لَا جَبْرَ، وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ وَإِنْ بَعُدَ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَإِذَا قَالَ وَصِيٌّ فَقَطْ أَوْ وَصِيٌّ عَلَى مَالِي، وَقُلْنَا لَا يُجْبِرُ فَإِنْ فَعَلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْضِي، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دُيُونِهِ صَحَّ، انْتَهَى لَفْظُ الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ عِنْدَ وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ إلَى قَوْلِهِ خِلَافٌ، وَرَاجَعْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فَوَجَدْته مُخَالِفًا لِمَا فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَإِنَّ كَلَامَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ كَالصَّرِيحِ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ شَيْخِنَا الْخَرَشِيِّ، وَأَيْضًا قَوْلُ خَلِيلٍ: ثُمَّ لَا جَبْرَ فَالْبَالِغُ أَيْ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَإِذْنِهَا فَرَاجِعْهُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ الْعَصَبَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَهُمْ قَرَابَاتُ الْأُنْثَى مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا كَأَخِيهَا لِأُمِّهَا وَجَدِّهَا لِأُمِّهَا وَخَالِهَا وَأَبْنَائِهِمْ (مِنْ الْأَوْلِيَاءِ) الْخَاصَّةِ (وَ) إنَّمَا تَكُونُ (الْأَوْلِيَاءُ مِنْ) جِهَةِ الْقَرَابَةِ (الْعَصَبَةِ) كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِخْوَةِ بِغَيْرِ الْأُمِّ وَالْأَعْمَامِ، وَبِقَوْلِنَا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ لَا يَرُدُّ الْمُعْتِقَ وَلَا الْكَامِلَ وَكُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا بِقَوْلِهِ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَخْطُبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) وَالْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْتِمَاسُ التَّزَوُّجِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْأَخُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَتَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ.

وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ تَرَتَّبَ الْعَدَاوَةُ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَوْمِ الشَّخْصِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: «وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» وَذَلِكَ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا) التَّقَارُبُ تَفْسِيرٌ لِلتَّرَاكُنِ، وَمَعْنَى التَّقَارُبِ الْمِيلُ إلَى الْأَوَّلِ وَالرِّضَا بِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي الْخِطْبَةِ لِلْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُعْتَبَرُ رُكُونُهَا، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ وَلِيِّهَا بِأَنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً أَوْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ حَيْثُ رَضِيَتْ بِرُكُونِ الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحُرْمَةَ بِالتَّرَاكُنِ لِفَهْمِهِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَسْتَشِيرَهُ فِيمَنْ تَنْكِحُهُ وَقَالَتْ لَهُ: إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ أَيْ لِكَثْرَةِ أَسْفَارِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ فَانْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالرُّكُونِ بِالْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>