للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ.

وَنَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَعَلَى عَدَمِ الْحَدِّ يُحَرِّمُ، وَعَلَى الْحَدِّ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الزِّنَا

(وَ) حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا (أَنْ تَجْمَعُوا) أَيْ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ (بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ فَقَطْ، أَوْ وَاحِدَةٍ لِلْوَطْءِ وَالْأُخْرَى لِلْخِدْمَةِ، أَوْ وَاحِدَةٍ بِالنِّكَاحِ وَالْأُخْرَى لِلْخِدْمَةِ فَلَا حَرَجَ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْوَطْءِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: فَمَنْ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُمَّ أَرَادَ التَّلَذُّذَ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا وَيَمْتَنِعَ مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْأُخْرَى، وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ تَلَذُّذِهِ بِمَنْ أَرَادَ التَّلَذُّذَ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْأُخْرَى بِمَا سَبَقَ، أَيْ مِنْ زَوَالِ مِلْكٍ أَوْ عِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ.

(إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) أَيْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَسَخَهُ الْإِسْلَامُ فَلَا يُؤَاخَذُ فَاعِلُهُ بِهِ لِأَنَّهُ يُغْفَرُ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى: لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ لَا إثْمَ فِيهِ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعِ اللَّاتِي يُحَرِّمْنَ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ هِيَ السَّادِسَةُ، وَأَشَارَ إلَى تَمَامِ السَّبْعِ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ} [النساء: ٢٢] أَيْ عَقَدَ عَلَيْهِ {آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى فَرْعِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ سَفُلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ عَقَدَ عَلَيْهِ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَصْلِ تَلَذُّذٌ بِهِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالصِّهَارَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَلَذُّذٍ بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، إلَّا فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ بِسَبَبِ نِكَاحِ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّلَذُّذِ بِأُمِّهَا، وَحُرْمَةُ حَلِيلَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ وَلَوْ كَانَ عَقَدَ الْأَبُ عَلَيْهَا فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَقَيَّدْنَا الْفَاسِدَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يُحَرِّمُ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ، وَمِثْلُ حَلِيلَةِ الْأَصْلِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى فَرْعِهِ وَإِنْ سَفُلَ مَوْطُوءَتُهُ بِالْمِلْكِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا الْأَصْلُ وَلَوْ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَسْمِيَتِهَا حَلِيلَةً قَبْلَ التَّلَذُّذِ، وَلَكِنْ تُقَيَّدُ الْحُرْمَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ تَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الزَّوْجِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَأَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ فَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِ الْمُتَلَذِّذِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَتْمِيمُ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَالْمُتَقَدِّمِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لِأَنَّ نِكَاحَ حَلِيلَةِ الْأَبِ لَمْ تَسْبِقْ بِهِ شَرِيعَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَدُ يَعْقِدُ عَلَى حَلِيلَةِ أَبِيهِ جَهْلًا، خِلَافَ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ شَرِيعَةَ قَوْمٍ وَنَسَخَهُ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ.

قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَلَنَا فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّهُ، لِأَنَّ مَا كَانَ شَرِيعَةً لِقَوْمٍ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ حَتَّى يُقَالَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَنْ يُعَلِّلُ غُفْرَانَ حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِجَبِّ الْإِسْلَامِ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ شَرِيعَةً وَتَأَمَّلْهُ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بَيَانُ عِدَّةِ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا السَّبْعُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالرَّضَاعِ مِنْهُنَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ فَقَطْ، وَالْخَمْسُ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ: بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَأُمُّهَا وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ، وَعَدَّ مِنْهُنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا، مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَةَ بِالصِّهْرِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك أَوْ فَرْعِك عَلَيْهَا، أَوْ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهَا كَأُمِّ الزَّوْجَةِ، وَأُمِّ الْمُحَرَّمَةِ بِالْجَمْعِ فَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا الضَّابِطُ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ أَلْحَقَتْهَا بِالْمُحَرَّمَةِ بِالصِّهْرِ وَمَضَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ غَلَّبَ الْمُحَرَّمَ بِالصِّهْرِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالْجَمْعِ، فَأُطْلِقَ عَلَى مَا عَدَا الْمُحَرَّمِ بِالنَّسَبِ وَالْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالصِّهْرِ، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَمْرٍو لِمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ آيَةِ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] عَدَمُ حُرْمَةِ غَيْرِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالرَّضَاعِ سَبْعٌ عَلَى عَدَدِ الْمُحَرَّمِ بِالنَّسَبِ قَالَ: (وَحَرَّمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى (السَّلَامِ) مِنْ النِّسَاءِ (بِالرَّضَاعِ) مِثْلَ (مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) وَهُنَّ السَّبْعُ اللَّاتِي فِي الْآيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى آخِرِهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» .

فَكَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأُمُّك رَضَاعًا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ رَضَعَتْ عَلَى زَوْجَتِك بِابْنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَأَخَوَاتُك كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ وُلِدَ لِفَحْلِهَا، فَإِنْ جَاءَ مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ لَك مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ أُمِّك مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيك، وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ، وَأَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ، وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الْأَخَوَاتُ، وَكُلُّ هَذَا دَخَلَ تَحْتَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، نَعَمْ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْحَدِيثِ بَعْضَ إنَاثٍ تَحْرُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>