للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُحِلُّهَا ذَلِكَ.

وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْقِدُ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَيُفْسَخُ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا، وَيَكُونُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمُسَمَّى عَنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَتَمَّ لِلْغَائِبِ نِصْفَ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى، اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحَتُّمِ فَسْخِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُخَالِفٌ لِمَا إذَا بَاعَهَا الْغَيْرُ أَوْ بَاعَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ فِي الْبَيْعِ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْبَيْعِ لِلسَّيِّدِ، وَكَوْنُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَاقِعًا مِنْ السَّيِّدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.

الثَّانِي: إنْ قِيلَ السَّيِّدُ لَهُ جَبْرُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَيْثُ خُيِّرَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الذَّكَرِ وَوَجَبَ فَسْخُ نِكَاحِ الْأُنْثَى بِحَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: شِدَّةُ الِاعْتِنَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى مُرَاعَاةِ شُرُوطِ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، لِأَنَّ زَوَاجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ، وَلَوْ خُيِّرَ السَّيِّدُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ كَالذَّكَرِ لَبَادَرَتْ النَّاسُ إلَى تَزَوُّجِ الْجَوَارِي بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بَلْ إلَى الزِّنَا، وَيَدَّعُونَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَهَذَا فَسَادٌ كَبِيرٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فِي وَجْهِ الْفَرْقِ

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ بِذِكْرِ الْأَضْدَادِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ (تَعْقِدَ امْرَأَةٌ) نِكَاحَ نَفْسِهَا وَلَا امْرَأَةَ غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَيَجِبُ أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا يَعْقِدُ عَلَى مَمْلُوكَتِهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا، لِأَنَّ شَرْطَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الذُّكُورَةُ، فَإِنْ عَقَدَتْ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ بَاطِلًا لِحَدِيثِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا.

(وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ (عَبْدٌ) نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَه أَوْ أَمَتَهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْوَلِيِّ الْحُرِّيَّةُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَمُعْتَقَةٌ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا كَعَبْدٍ أَوْ وَصِيٍّ وَمُكَاتَبٍ فِي أَمَةٍ طَلَبَ فَضْلًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَنَاتِهِ وَلَا إمَائِهِ وَالْحَقُّ لِسَيِّدِهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ قَهْرًا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ غِبْطَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، بِأَنْ دَفَعَ لَهَا الزَّوْجُ صَدَاقًا وَاسِعًا بِحَيْثُ يُجْبَرُ عَيْبَ التَّزْوِيجِ وَيَزِيدُ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ الْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ مَنْ فِي وَصِيَّتِهِ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَعْقِدَ (مَنْ كَانَ) مِنْ الرِّجَالِ (عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ) وَمَفْعُولُ يَعْقِدَ (نِكَاحَ امْرَأَةٍ) فَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي وَلِيِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا الْكَافِرُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَافِرَةِ وَلِيٌّ خَاصٌّ كَافِرٌ فَأَسَاقِفَتُهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلسُّلْطَانِ جَبَرَهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا لِأَنَّهُ مِنْ رَفْعِ التَّظَالُمِ، وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ خُصُوصِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ مَالِكًا لِكَفَّارَةٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَافِرَةُ أَمَةً لَهُ أَوْ مُعْتَقَتَهُ حَيْثُ أَعْتَقَهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا وَيُزَوِّجُهَا، لَكِنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُزَوِّجُهَا لِكَافِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ الْكَائِنَةَ عَلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَطَؤُهَا الْمُسْلِمُ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَأَمَّا مُعْتَقَتُهُ الَّتِي لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ بِأَنْ أَعْتَقَهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ إسْلَامِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ كَافِرًا فِي الْأَصْلِ فَيُزَوِّجُهَا وَلَوْ لِمُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْكَافِرَةُ غَيْرُ الْأَمَةِ وَغَيْرُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَتَوَلَّى عَقْدَهَا لَا لِكَافِرٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] لَكِنْ إنْ تَجَرَّأَ وَعَقَدَ لَهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى كَافِرٍ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ لِأَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي الزِّنَا إذَا لَمْ يُعْلِنُوهُ فَأَوْلَى النِّكَاحُ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ لَهَا عَلَى مُسْلِمٍ لَفُسِخَ أَبَدًا، وَإِلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ مُشَبِّهًا فِي الْحُرْمَةِ: كَكُفْرٍ لِمُسْلِمَةٍ وَعَكْسِهِ إلَّا لِأَمَةٍ وَمُعْتَقَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ وَزَوَّجَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ عَقَدَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ تُرِكَ، وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْوَلِيَّ إمَّا مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَمَنْ فِي وِلَايَتِهِ إمَّا مُسْلِمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا أَحْكَامَ الْجَمِيعِ بِفَضْلِ اللَّهِ.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ جَعْلِ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ شُرُوطًا فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي وَلِيِّ الرَّجُلِ إنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَصِحُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُوَكِّلَ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ امْرَأَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ الْجَمِيعَ سِوَى الْمُحَرَّمِ وَالْمَعْتُوهِ لَا وَلِيٍّ إلَّا كَهُوَ، أَيْ أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ شُرُوطِهِ،

ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً مُنَاسِبَةً لِمَا قَبْلَهَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً) مَبْتُوتَةً (لِيُحِلَّهَا لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا (وَ) إنْ وَقَعَ تَزَوُّجُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (لَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ) لِفَسَادِهِ فَيُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَيُسَمَّى هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الدُّلْسَةِ بِضَمِّ الدَّالِ، وَالزَّوْجُ فِيهِ يُسَمَّى بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، وَقَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>