للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ وَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا إلَّا بَعْدَ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، أَوْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ، أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً وَلَا مُرْضِعَةً.

(مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا) أَيْ مُدَّةُ عَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ، أَوْ يَائِسَةً أَوْ بِمُضِيِّ سَنَةٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا اسْتِبْرَاءٌ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلْعِدَّةِ إنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ أَوْ مَرِضَتْ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةً ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةٍ كَعِدَّةِ مَنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ وَالْيَائِسَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُودِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَالِاعْتِدَادِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَقْرَاءِ، وَقَوْلُنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَمْ تُمَيِّزْ لِأَنَّ الَّتِي تُمَيِّزُ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إمَّا بِرَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الَّتِي تَحِيضُ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَيْضَةِ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْآيَةِ الْحَيْضُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْأَقْرَاءُ) فِي آيَةِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] (هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ) وَهَذَا عَلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحِيَضُ جَمْعُ حَيْضَةٍ، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ لَفْظَ الْقُرُوءِ مَوْضُوعٌ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَطْهَارِ وَالدِّمَاءِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَدَلِيلُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي زَمَانِ عِدَّتِهِنَّ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ: «بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ تَعْتَدُّ بِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَقْرَاءِ الْحَيْضَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَكَانَ الْمُطَلِّقُ مُطَلِّقًا لِغَيْرِ الْعِدَّةِ، وَمِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ حِلُّهَا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ الْأَخِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَطْهَارُ وَعَدَمُ حِلِّهَا حَتَّى تَتِمَّ الْحَيْضَةُ بِرُؤْيَةِ عَلَامَةِ الطُّهْرِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْحَيْضُ، وَالْأَقْرَاءُ جَمْعُ قَرْءٍ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى تَفْسِيرِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَطْهَارِ عَدَمَ حِلِّهَا بِقُرْأَيْنِ وَبَعْضِ قُرْءٍ مَعَ أَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ طُهْرٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِهِ وَلَوْ لَحْظَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاعْتَدَّتْ بِطُهْرِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَحْظَةً، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْجَمْعَ يُطْلَقُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ بَعْضَ وَاحِدٍ نَحْوَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ شَهْرَانِ وَعَشَرَةٌ

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ مُبَاحٌ لِوُقُوعِهِ فِي طُهْرٍ ذَكَرَ مُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْهَى) الزَّوْجُ الْمُكَلَّفُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ عَنْ (أَنْ يُطَلِّقَ) زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ (فِي) حَالِ (الْحَيْضِ) أَوْ النِّفَاسِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ أَوْ التَّيَمُّمِ الْجَائِزِ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَتَغَيَّظَ وَقَالَ لَهُ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» .

وَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمَدْخُولِ بِهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ غَيْرَهَا يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا مَتَى شَاءَ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ طَلَاقُ الْحَامِلِ مَتَى شَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ.

(فَإِنْ طَلَّقَ) فِي زَمَنِ حَيْضِهَا عَالِمًا بِهِ (لَزِمَهُ) الطَّلَاقُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ فِيهِ وَوَقَعَ (وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ) أَيْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا أَوْقَعَ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً إنْ كَانَ عَبْدًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَوْ لِمُعْتَادَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْأَرْجَحِ، فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالسِّجْنِ، فَإِنْ أَبَى سَجَنَهُ، فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِضَرْبٍ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ ضَرَبَهُ إنْ ظَنَّ إفَادَتَهُ، وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَلْزَمَهُ الرَّجْعَةَ وَيَرْتَجِعُهَا لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: ارْتَجَعْت لَك زَوْجَتَك، وَتَصِحُّ تِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الزَّوْجِ قَوْلٌ وَلَا نِيَّةٌ، وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِرَجْعَةِ الْحَاكِمِ وَيَتَوَارَثَانِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَاكِمِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ يُجْبِرُهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ ارْتَجَعَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَيْهَا بَلْ ارْتَجَعَ لَهُ ابْتِدَاءً، فَاسْتَظْهَرَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ إنْ فَهِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْتَجِعُ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَهُ جَمِيعَ مَا سَبَقَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ جَبْرَهُ ابْتِدَاءً عَلَى الرَّجْعَةِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ وَغَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى الرَّجْعَةِ.

(مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ) فَإِنْ انْقَضَتْ بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَرِضَاهَا كَابْتِدَاءِ نِكَاحِ أَجْنَبِيَّةٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: فُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ إنْ رَاجَعَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَصْطَلِحَ وَيَزُولَ مِنْهَا الْغَيْظُ الْحَاصِلُ بِطَلَاقِهَا فِي حَيْضِهَا، وَلَا تَصْطَلِحُ إلَّا بِوَطْءٍ فِي طُهْرٍ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لَا يُطَلِّقُ لِأَنَّهُ مَسَّهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى غَيْرِ حَيْضَةِ الطَّلَاقِ؛ الثَّانِي: مَحَلُّ الْجَبْرِ الْمَذْكُورِ إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ فِي الْحَيْضِ، وَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ طَلُقَتْ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نَظَرِ النِّسَاءِ، خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ لِأَنَّ النِّسَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>