للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَاةٍ حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ فَلْتَخْرُجْ وَتُقِيمُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.

وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَلَدَهَا فِي الْعِصْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ وَلِلْمُطَلَّقَةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

شَيْئًا مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهَا، لَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ الْوَضْعِ بِحَيْثُ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا إنْ رَجَعَتْ، وَأَمَّا فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ كَالْخُرُوجِ لِرِبَاطٍ أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ فَتَرْجِعُ، وَلَوْ وَصَلَتْ بَلْ وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ فَبَلَغَهَا الْمَوْتُ أَوْ الطَّلَاقُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الِاعْتِدَادِ بِأَيِّ مَحَلٍّ شَاءَتْ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا تَخْرُجُ أَيْ خُرُوجَ انْتِقَالٍ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا فَيَجُوزُ لَهَا لَكِنْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُونَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ، فَفِي الْأَمْصَارِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَفِي غَيْرِهَا فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَلَكِنْ لَا تَبِيتُ إلَّا فِي مَسْكَنِهَا، كَمَا إذَا كَانَتْ تَتَكَسَّبُ مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّهَا كَالْقَابِلَةِ وَالْمَاشِطَةِ، فَلَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا قَهْرًا عَلَيْهَا وَلَوْ بِالْأَدَبِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ (فِي) عِدَّةِ (طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ) فَيَجِبُ أَنْ تَمْكُثَ (حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ وَ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْفُرَيْعَةِ لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِوَفَاةِ زَوْجِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَذْهَبَ إلَى مَحَلِّ أَهْلِهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ) السَّاكِنَةُ بِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ الْمَحْدُودَةِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ أَوْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.

(وَ) الْحَالُ أَنَّ رَبَّ الدَّارِ (لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ) أَنْ يَكُونَ كِرَاءً لَهَا بَلْ طَلَبَ أَزْيَدَ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهَا (فَلْتَخْرُجْ) وَلَا يَلْزَمُهَا وَلَا زَوْجَهَا الْإِقَامَةُ بِدَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهَا، كَمَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِعُذْرٍ لَا يُمْكِنُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ، كَخَوْفِ سُقُوطِ الْمَحَلِّ أَوْ اللُّصُوصِ أَوْ ضَرَرِ الْجِيرَانِ وَلَا حَاكِمَ بِالْبَلَدِ، وَإِلَّا رَفَعَتْ لَهُ، فَمَنْ تَبَيَّنَ ضَرَرَهُ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أُشْكِلَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَخْرُجُ، هَكَذَا قَالَ خَلِيلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ: يُخْرِجُ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ.

١ -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَأَرَادَتْ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إخْرَاجُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى الْوَرَثَةُ، وَإِنَّمَا يَبِيعُونَهَا إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ مَعَ الْبَيَانِ لِلْمُشْتَرِي.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَمِثْلُ الْغُرَمَاءِ الْوَرَثَةُ حَيْثُ يَكُونُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَإِلَّا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ ارْتَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالْوَارِثَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّيْنِ، وَأَمَّا بِالْأَشْهُرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا حَتَّى لِلزَّوْجِ لَكِنْ بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ.

الثَّانِي: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِرَبِّ الدَّارِ إخْرَاجَ الْمُعْتَدَّةِ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا زَادَ غَيْرُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ الْأُولَى النَّاقِصَةِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَطَالَبَهَا بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ فَأَبَتْ، وَأَمَّا لَوْ رَضِيَتْ بِدَفْعِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُهَا.

(وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا لِلِانْتِقَالِ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ أَنْ (تُقِيمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْأَوَّلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَتْ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يُطَالَبُ بِأُجْرَةِ الْمَحَلِّ الثَّانِي، وَهُوَ الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّكْنَى مُطْلَقًا، فَيَلْزَمُهُ إبْدَالُ الْمُنْهَدِمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَأُبْدِلَتْ فِي الْمُنْهَدِمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ الْمُنْقَضِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنَّمَا تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ، وَإِذَا انْهَدَمَ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ السُّكْنَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ.

الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى امْرَأَةِ نَحْوِ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ مِنْ كُلِّ سَاكِنٍ بِمَحَلٍّ مَوْقُوفٍ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَصْفِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَيَنْتَصِبُ غَيْرُهُ مَكَانَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ لَا يُخْرِجُهَا الْقَادِمُ، وَإِنْ ارْتَابَتْ، بَلْ تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى زَمَنَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ تَوَلَّى غَيْرُ الْمَيِّتِ الْمُطَلِّقِ وَتَسْتَمِرُّ وَلَوْ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَكَذَا امْرَأَةُ مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ دَارُ حَيَاتِهِ وَبَعْدُ تَصِيرُ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ الْأَوَّلُ وَتَنْتَقِلُ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ انْتَقَلَ الْحَبْسُ لَهُ إخْرَاجُهَا، وَلَوْ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ كَخَمْسِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِزَوْجَتِهِ السُّكْنَى، وَلَا يَجُوزُ لِلذُّرِّيَّةِ مُعَارِضَتُهَا زَمَنَ الْعِدَّةِ.

١ -

وَأَمَّا زَوْجَةُ نَحْوِ إمَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ خَطِيبِهِ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا السُّكْنَى خِلَافٌ. اقْتَصَرَ خَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا السُّكْنَى زَمَنَ عِدَّتِهَا حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ حَبْسِ مَسْجِدٍ بِيَدِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ بِأَنَّ دَارَ الْإِمَارَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَزَوْجَةُ نَحْوِ الْأَمِيرِ لَهَا حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ بِالتَّبَعِ لِزَوْجِهَا، بِخِلَافِ خَادِمِ الْمَسْجِدِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْتُ الْمَسْجِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>