للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا إنْ شَاءَتْ.

وَالْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ وَنِكَاحِ الْأُنْثَى وَدُخُولِهَا، وَذَلِكَ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَوْقُوفًا عَلَى خُصُوصِ مَنْ مَاتَ مِنْ نَحْوِ إمَامٍ، خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ فِي تَقْيِيدِهِ بِالدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ عَلَى خُصُوصِ الْإِمَامِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ فَيَكُونُ لَهَا السُّكْنَى كَزَوْجَةِ الْأَمِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِطْلَاقُ خَلِيلٍ أَيْضًا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ وَسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ أَوْ نَفَقَتِهَا، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ إرْضَاعُ الصَّغِيرِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ حَضَانَتَهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ عَلَى (الْمَرْأَةِ) أَنْ (تُرْضِعَ وَلَدَهَا) مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ مَا دَامَتْ (فِي الْعِصْمَةِ) أَيْ أَبِيهِ وَلَوْ حُكْمًا؛ لِتَدْخُلَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ فِي ذَلِكَ لِلُزُومِ نَفَقَتِهَا، وَغَايَةُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ الرَّضَاعِ قَالَ - تَعَالَى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] هَذَا أَكْثَرُهُ، وَالصَّحِيحُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِيمَنْ هُوَ حَقُّهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْأُمِّ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا مِنْهَا: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي» .

وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِمَا، وَلِذَا لَا يَجُوزُ فِطَامُ الْوَلَدِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ لُزُومُ الرَّضَاعِ لِلْأُمِّ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ ذَاتِ الْقَدْرِ قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ) وَلَدَهُ لِعُلُوِّ قَدْرٍ أَوْ مَرَضٍ نَزَلَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهَا فَعَالِيَةُ الْقَدْرِ، مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ " الْوَالِدَاتُ " فِي الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَصَّ مَالِكٌ دُونَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِاسْتِثْنَاءِ عَالِيَةِ الْقَدْرِ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ؛ لِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ الْعَمَلُ

بِالْمَصْلَحَةِ

؛ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ عَدَمُ تَكْلِيفِهَا بِذَلِكَ، وَهُوَ كَالشَّرْطِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْإِرْضَاعِ فَلَهَا الْأَجْرُ عَلَى الْأَبِ، كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ سُقُوطِ الرَّضَاعِ عَنْ عَالِيَةِ الْقَدْرِ كَوْنُ الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ غَنِيًّا مَعَ وُجُودِ مَنْ يُرْضِعُهُ غَيْرُ أُمِّهِ وَقَبُولُهُ إيَّاهَا، وَإِلَّا لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَعَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ وَالرَّجْعِيَّةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا بِلَا أَجْرٍ إلَّا لِعُلُوِّ قَدْرٍ كَالْبَائِنِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا، أَوْ يَعْدَمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ إلَّا أُمَّهُ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُ وَلَهَا الْأَجْرُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ يَكُونَ لَهُ مَالٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَلَا لَبَنَ لَهَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْجَارُ مَنْ يُرْضِعُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاسْتَأْجَرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، وَفَاعِلُ اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَجَّانًا وَجَبَ عَلَيْهَا خَلَفُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهَا بِمَا تَدْفَعُهُ فِي الْأُجْرَةِ، وَيَجِبُ فِيمَنْ تَسْتَأْجِرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي لَبَنِهَا عَيْبٌ كَكَوْنِهَا حَمْقَاءَ أَوْ جَذْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالرَّضِيعِ.

وَمَفْهُومٌ فِي الْعِصْمَةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُطَلَّقَةِ) الْبَائِنِ (رَضَاعُ وَلَدِهَا) بِالْأُجْرَةِ وَتَرْجِعُ بِهَا (عَلَى أَبِيهِ) الْمُوسِرِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِيهِ مَنْ يُرْضِعُهُ مَجَّانًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهَا إنْ قَبِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ أُمِّهِ مَجَّانًا عَلَى الْأَرْجَحِ فِي التَّأْوِيلِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهَا لِلْأُمِّ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الرَّضَاعُ مِنْ شَرِيفَةِ قَدْرٍ أَوْ بَائِنٍ إذَا قَبِلَ غَيْرَهَا أَنْ تُرْضِعَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ مَالِ الْوَالِدَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي طَلَبِ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الْأَبِ مُتَبَرِّعَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَهِيَ حَرَامٌ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الَّتِي مِثْلُهَا لَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ لَا يَجُوزُ لَهَا طَلَبُ الْأَجْرِ دَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهَا) أَيْ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ لِعُلُوِّ قَدْرِهَا (أَنْ) تُرْضِعَ وَلَدَهَا وَ (تَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا) مِنْ أَبِيهِ (إنْ شَاءَتْ) وَلَوْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَهَا إنْ قَبِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَعَلَى حَمْلِ هَذَا عَلَى مَنْ فِي الْعِصْمَةِ انْدَفَعَ تَكْرَارُ هَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُتَرْجِمِ لَهُ مَمْدُوحَةٌ فَقَالَ: (وَالْحَضَانَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ كَسْرِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَا دُونَ الْإِبْطِ كِفَايَةُ الطِّفْلِ وَتَرْبِيَتُهُ وَالْإِشْفَاقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ: حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ، وَمُؤْنَةِ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ، وَمَضْجَعِهِ وَتَنْظِيفِ جِسْمِهِ حَقٌّ (لِلْأُمِّ بَعْدَ الطَّلَاقِ) مِنْ أَبِي الْمَحْضُونِ أَوْ مَوْتِهِ غَايَتِهَا. (إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ) الْمُحَقَّقِ (وَ) إلَى (نِكَاحِ الْأُنْثَى وَدُخُولِهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الرَّضَاعِ حَيْثُ «طَلَّقَ شَخْصٌ زَوْجَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَهَا فَأَتَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» قَالَ خَلِيلٌ: وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلْأُمِّ وَلَوْ لِأُمِّهِ عِتْقُ وَلَدِهَا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَيَّدْنَا الذَّكَرَ بِالْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ تَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا، وَالْمُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ هُنَا بِغَيْرِ الْإِنْبَاتِ بَلْ بِالسِّنِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَلَامَاتِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُ الذَّكَرِ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فَتَنْتَهِي حَضَانَةُ الذَّكَرِ بِبُلُوغِهِ وَلَوْ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ لِبُلُوغِهِ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا، وَتَنْتَهِي حَضَانَةُ الْأُنْثَى بِدُخُولِ الزَّوْجِ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى أَبِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدُّخُولَ بِالصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>