بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ
وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ.
وَالطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشَبَهِهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إدَامٍ لَا يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ.
وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَرَضًا تُفْرَضُ مَعَ الْعَيْنِ عَيْنًا، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُسَافِرِ مِنْ السَّفَرِ عِنْدَ تَأْخِيرِهِ لِضَرْبِهَا.
الثَّالِثَةُ: الشَّخْصُ يَكُونُ مَعَهُ الدِّرْهَمُ الْفِضَّةُ وَيَحْتَاجُ إلَى نَحْوِ الْغِذَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ لِنَحْوِ الزَّيَّاتِ وَيَأْخُذَ بِبَعْضِهِ طَعَامًا أَوْ جُدُدًا، وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ فِضَّةً حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ أَوْ عِوَضَ كِرَاءٍ بَعْدَ تَامِّ الْعَمَلِ لِوُجُوبِ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ، وَكَوْنُ الْمَدْفُوعِ دِرْهَمًا فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ وَالْمَدْفُوعُ مَسْكُوكَيْنِ، وَأَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِالْمَدْفُوعِ وَالْمَأْخُوذِ وَلَوْ لَمْ تَتَّحِدَ السِّكَّةُ، وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الرَّوَاجِ بِأَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الْمَأْخُوذَةُ تَرُوجُ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَأَنْ يَتَعَجَّلَ الدِّرْهَمَ، وَمُقَابَلَةٌ مِنْ عَيْنٍ، وَمَا مَعَهَا. وَوَجْهُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ يُفْرَضُ مَعَهَا عَيْنًا، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ إلَخْ. وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ تِبْرٍ يُعْطِيهِ الْمُسَافِرُ وَأُجْرَتُهُ دَارَ الضَّرْبِ؛ لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ. وَإِلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ إلَخْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ مُتَفَاضِلًا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا) بَيْعُ (فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ) لَا مُرَاطَلَةَ وَلَا مُبَادَلَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ.
(إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) ، وَمَقْبُوضًا (يَدًا بِيَدٍ) فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ: مُبَادَلَةُ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ، وَإِعْطَاءُ الْمُسَافِرِ نَحْوَ التِّبْرِ وَيَأْخُذُ مَسْكُوكًا، وَمَسْأَلَةُ الدِّرْهَمِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَوُجِدَتْ الْمُنَاجَزَةُ جَازَ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ أَوْ الْمُرَاطَلَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِصَنْجَةٍ أَوْ كِفَّتَيْنِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ بِنَوْعِهَا شَرَعَ فِي بَيْعِهَا بِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) بَيْعُ (الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ رِبًا) فَيَحْرُمُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا يَدًا بِيَدٍ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَضَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَتَلَخَّصَ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا، وَأَمَّا النَّسَاءُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُطْلَقًا مُخْتَلِفًا أَوْ مُتَّفِقًا مَسْكُوكًا أَوْ غَيْرَهُ.
١ -
(تَنْبِيهٌ) بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا مُرَاطَلَةٌ، وَإِمَّا مُبَادَلَةٌ، وَإِمَّا صَرْفٌ، فَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَالْمُبَادَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، وَالصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ، وَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بِعَدَمِهَا وَلَوْ قَرِيبًا أَوْ غَلَبَةً، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَتَجِبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ، وَكَذَا فِي الْمُبَادَلَةِ إذَا زَادَ الْعَدَدُ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ.
١ -
(فَرْعٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْإِنَاءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ إقْنَاؤُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ فِي حَقِّ الْأُنْثَى، وَلَكِنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ يَصْنَعُهُ حُلِيًّا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ اُشْتُرِطَتْ الْمُنَاجَزَةُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ اُشْتُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ وَالْمُنَاجَزَةُ، وَأَمَّا الْمُصَنَّعُ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِالْعَرَضِ، وَلَا يَجُوزُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ التَّابِعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا الْمُحَلَّى بِالنَّقْدَيْنِ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ حُلِّيَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ بِأَنْ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الثُّلُثَ، وَالْجَوْهَرُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِجِنْسِ الْأَقَلِّ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ قَدْرَ الْفِضَّةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا بِالْعَرَضِ.
(خَاتِمَةٌ) وَقَعَ خِلَافٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي النُّقُودِ، فَقِيلَ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا عَلَى الثَّانِي.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَطْعِمَةِ وَبَيَانِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا مِنْهَا، وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّعَامُ) الْكَائِنُ (مِنْ الْحُبُوبِ) ذَاتِ السُّنْبُلِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا السُّلْتُ (وَ) الْكَائِنُ مِنْ (الْقُطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَوْ ضَمِّهَا وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا، وَتُجْمَعُ عَلَى قَطَانِيٍّ كَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبَسِيلَةِ وَالْجُلْبَانِ وَالتُّرْمُسِ وَاللُّوبِيَا وَالْكِرْسِنَّةِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ، وَالْبَاجِيُّ يَقُولُ: هِيَ الْبَسِيلَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَحَلِّ وَلَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَ) مِنْ (شَبَهِهَا) أَيْ الْقُطْنِيَّةِ (مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ) كَزَبِيبٍ أَوْ لَحْمٍ (أَوْ إدَامٍ) كَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَخُبْزٍ الطَّعَامُ الْوَاقِعُ مُبْتَدَأً. (لَا يَجُوزُ) بَيْعُ (الْجِنْسِ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) لِلسَّلَامَةِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَلِلسَّلَامَةِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ (يَدًا بِيَدٍ) وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ قَرِيبًا، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إنْ وُجِدَ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا فَالْمِعْيَارُ لِأَهْلِ مَحَلِّ الْبَيْعِ، فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ بِأَمْرَيْنِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيمَا يُوزَنُ بِشَيْءٍ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَرِّي إنْ أَمْكَنَ، وَأَمَّا نَحْوُ الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ فَلَا يَحْصُلُ فِيهِمَا تَعَذُّرٌ، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ، وَإِلَّا فَبِالْعَادَةِ، فَإِنْ عَسُرَ الْوَزْنُ جَازَ التَّحَرِّي عِنْدَ إمْكَانِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ وَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَنَّ عِلَّةَ أَيْ عَلَامَةَ كَوْنِ الطَّعَامِ رِبَوِيًّا أَنْ يَكُونَ يَحْصُلُ بِهِ