للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِلْعَتِهِ مَا إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ أَبْخَسَ لَهُ فِي الثَّمَنِ.

وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ مَا

ــ

[الفواكه الدواني]

يُوهِمُ زِيَادَتَهَا أَوْ جَوْدَتَهَا، كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ، وَكَسَقْيِ الْحَيَوَانِ عِنْدَ بَيْعِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ سَمِينٌ، وَكَتَطْرِيرِ الْكِتَابِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ مُقَابَلٌ أَوْ مَقْرُوءٌ.

(وَلَا) يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ أَيْضًا (الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَهِيَ الْكَذِبُ فِي ثَمَنِهَا إمَّا بِلَفْظٍ أَوْ كِنَايَةٍ.

(وَلَا الْخَدِيعَةُ) بِأَنْ يَفْعَلَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ مَعَ مُرِيدِ الشِّرَاءِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْهُ، كَأَنْ يُجْلِسَهُ عِنْدَهُ وَيُحْضِرَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

(وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ) ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ، وَهُوَ حَرَامٌ. (وَلَا) يَجُوزُ لِمُرِيدِ الْبَيْعِ أَيْضًا (خَلْطُ دَنِيءٍ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ عُرُوضٍ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْغِشِّ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَنْسَبُ لِمَقَامِ الِاخْتِصَارِ حَذْفَ قَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ التَّدْلِيسِ الَّذِي قَدَّمَهُ، وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَرَّرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ تَفْسِيرُ التَّدْلِيسِ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَا خَلْطُ دَنِيءٍ بِجَيِّدٍ تَفْسِيرُ الْغِشِّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْوَاقِعُ فِيهِ مَا ذَكَرَ، وَمُحَصَّلُهُ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ عِنْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ فِي الْغِشِّ وَالْخِلَابَةِ وَالْخَدِيعَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا فِي التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمُخْرَجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ فَالْأَرْشُ، وَأَمَّا عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِالسِّلْعَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ فِي نَظِيرِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ خِبْرَتَهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ مَعَ قِيَامِهَا بِحَالِهَا مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ فِيهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّدِّ.

١ -

(فَرْعَانِ) لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَجَرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَوْهَرٌ أَوْ ذَهَبٌ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ مَعَ النِّدَاءِ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ الْعَامِّ فَلَا يُرَدُّ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا لَمْ يُسَمَّ بَلْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى رُؤْيَةِ ذَاتِهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ كَأَبِيعُكَ هَذِهِ الزُّجَاجَةَ فَيَجِدُهَا الْمُشْتَرِي يَاقُوتَةً لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ اتِّفَاقًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَمْ أَرَهُ يَغْلَطُ إنْ سَمَّى بِاسْمِهِ وَلَا يُعَيَّنُ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ حَيْثُ كَانَ الْبَائِعُ مَالِكًا رَشِيدًا لَا إنْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا.

١ -

الْفَرْعُ الثَّانِي: فَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ اشْتَرَاهُمَا بِالْوَزْنِ، وَإِلَّا كَانَتْ الثَّانِيَةُ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَوْهَرَةً أَوْ نَحْوَهَا فَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي وَقِيلَ لِلْبَائِعِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عَلَامَةُ الْمِلْكِ، وَإِلَّا كَانَتْ لُقَطَةً، وَأَمَّا الْخَرَزَةُ الْبَدَنِيَّةُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِمَّا يَجِبُ بَيَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ لِمُرِيدِ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً أَوْ مُسَاوَمَةً (أَنْ يَكْتُمَ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ مَا) أَيْ الْأَمْرَ الَّذِي (إذَا ذَكَرَهُ) الْبَائِعُ (كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ أَبْخَسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَبِيعِ (فِي الثَّمَنِ) لِاقْتِضَائِهِ نَقْصَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ تَبْيِينُ مَا يُكْرَهُ كَثَوْبِ الْأَجْذَمِ أَوْ الْأَجْرَبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَالْمُشْتَرِي بَدْوِيٌّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يَكْرَهُهُ الْمُبْتَاعُ لَا يَجِبُ بَيَانُهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ غَيْرُهُ، فَلَوْ وَقَعَ وَكَتَمَ الْبَائِعُ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُهُ فَالْحُكْمُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَمَعَ الْفَوَاتِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكِتْمَانَ لَمَّا يَجِبُ بَيَانُهُ مِنْ الْغِشِّ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا حُرْمَةُ الشِّرَاءِ بِدَرَاهِمِ الْكِيمْيَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ بِهَا يَكْرَهُهَا وَلَوْ أُخْبِرَ بِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا مَعَ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْبَيَانِ، وَنَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى تَجْرِيحِ الْمُشْتَغِلِ بِمُطْلَقِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ، وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْمُنْتَصِرِ بِمَنْعِ إمَامَةِ الْمُشْتَغِلِ بِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بِلَّةً فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَهُ الْمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْته فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا،؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكْفُرُ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ إلَّا إذَا اسْتَحَلَّهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَ مَنْ فَعَلَهَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْزِيرُهُ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَدَلَّسَ عَلَيْهِ بَائِعُهَا بِعَيْبِهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (عَبْدًا) أَوْ غَيْرَهُ وَقَبَضَهُ (فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا) لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي حِينَ الْعَقْدِ، وَمِثْلُ الْقَدِيمِ الْحَادِثُ فِي زَمَنِ خِيَارِ التَّرَوِّي، وَالْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ كَالْإِبَاقِ وَالْجُذَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرُدَّ بِمَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ. (فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْبَائِعِ فِي نَظِيرِ الْعَيْبِ (أَوْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ) إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْعَيْبِ وَيَسْكُتَ، أَوْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَرُّوا الْغَنَمَ» - وَفِي رِوَايَةٍ «الْإِبِلَ -، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَالتَّصْرِيَةُ تَرْكُ الْحِلَابِ حَتَّى يَعْظُمَ الضَّرْعُ وَيَتَوَهَّمُ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: لَقَبٌ لِتَمْكِينِ الْمُبْتَاعِ مِنْ رَدِّ مَبِيعِهِ عَلَى بَائِعِهِ لِنَقْصِهِ عَنْ حَالَةٍ بِيعَ عَلَيْهَا غَيْرَ قِلَّةِ كَمِّيَّةٍ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ، فَقَوْلُهُ: لِنَقْصِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا أَقَالَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ قِلَّةِ كَمِّيَّةٍ صِفَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>